أوراق كامل الشيبي
جواد علي كسار
كلما نلتقي بالدكتور عارف الساعدي يجرّنا الحديث على غير اتفاق، للكلام عن همّنا الدائم؛ همّ المساهمة في بناء القاعدة التحتية الصلبة للمعرفية العراقية، بتحويل ما هو فردي جزئي مشتّت إلى كيانٍ عضوي واحد، هو المعرفيَّة العراقيَّة، وما هو مستور خفي فيها إلى ظاهر علني.
وهكذا مضى الحال أيضاً آخر الأسبوع الماضي في دار الشؤون الثقافية. فعند ذكر الذوات المعرفية العراقية، تساءلتُ بمشاعر اختلط فيها شيءٌ من اليأس، عن مصير أوراق كامل مصطفى الشيبي، فعاجلني مدير عام الشؤون بجواب المطمئن الواثق، أنها قد صدرت يجزأين، ليكون أمامي بعد لحظات مجلدان أنيقان في الإخراج والطباعة، بددت رؤيتهما تلك الخيوط من اليأس المعتّم في دواخل النفس، وهي تتحوّل إلى تألق مُبهج، وأنا أرى الهمّ قد صار مشروعاً ناجزاً بقبضة اليد.
أعترف أن إغراء الإصدارات الجديدة يضرب برنامجي الرتيب ويربكه بقوّة، لساعات وربما لأيام كما حصل فعلاً مع هذا الإصدار، فقد عكفتُ على أوراق الشيبي هذه عن التصوّف والتراث من ليلتي، ألتذّ بمحتواها قراءةً، وألتهم مضامينها مراجعةً.
بصدق، تحوّل إيقاع البهجة إلى ثقة اكتسحت شعوري كله حدّ الإبهار، بأننا بالفعل وضعنا خطىً راسخة على طريق تحقّق مشروع المعرفة العراقية. بديهي العمل في محتواه الأساس هو دراسات الشيبي ومقالاته، لكن ما كان له أن يتحقّق ويخرج من القوّة إلى الفعل، من دون ذلك الجهد العلمي النبيل للدكتور حامد ناصر الظالمي ومقدّمته الثرّة الفخيمة، وقد حوّل شتات الأوراق، إلى موسوعة حقيقية استحقّت عنوانها: «الدكتور كامل مصطفى الشيبي: آخر المتصوفة».
تبقى لي ملاحظة ما دام مشروع دار الشؤون يشقّ أولى خطواته السديدة الواثبة؛ هذه الملاحظة تطمح أن تضمّ الأعمال الموسوعية لتراث مفكري العراق، ما لم يُنشر من آثارهم، وشيء من مراسلاتهم وملاحظاتهم المدوّنة في دفاترهم وصحفهم، وكلّ ما يرتبط بهم وما تركوه، مما يدخل في تراثهم المعرفي.
على سبيل المثال قرأتُ للمبدع المثابر حسين محمد عجيل مقدّمة تحقيقه لنسخة كتاب: «الفنون الإسلامية»، أن مصطفى جواد ترك (50) ألف جذاذة هي بعض من تراثه
المعرفي.
أزيد على ذلك، أن بعض ما هو غير منشور من رسائل
وملاحظات وتراث المعرفيين العراقيين، قد يفوق بأهميته بعض ما هو صادر لهم مما اشتهروا به، ما يعطي هذه الملاحظة أهمية استثنائية، ونحن نضعها أمام دار الشؤون، ومشروعها لم يزل في بدايته.