مهزلة بيع الدولار

آراء 2023/09/18
...

بشير خزعل

لم ينجح فتح منافذ لبيع الدولار في المصارف الحكوميَّة والشركات الأهليَّة من كبح جماح التصاعد المستمر بقيمة الدولار أمام الدينار، فالمعروض للمواطن البسيط شحيحٌ، ومن تعمّد إصدار مثل هكذا قرار، لربما هدفه استثمار فارق السعر الحكومي 132 ألف دينار لكل 100 دولارٍ اميركي وسعر السوق الحقيقي، الذي وصل إلى 155 ألف دينار، وقطعاً هناك متنفذون مستفيدون استغلوا ارتفاع السعر لشراء الدولار وبيعه بهذا الفارق، الذي يفوق 22 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار، هذه العمليَّة التي يتبعها البنك المركزي في رسم السياسة النقديَّة للبلاد، وضعت المواطن العراقي المضطر بسبب السفر أو العلاج أو الدراسة أو المقيم في الخارج في موقفٍ لا يحسد عليه، فأما أن يحفظ كرامته ويشتري من السوق السوداء، ويتكبد خسائر لا يقوى عليها الأغلب من الناس، أو يفقد ما تبقى منها على أبواب المصارف الحكوميَّة والشركات الأهليَّة ويقف في طوابير تتطلب حضوره من الصباح الباكر للحصول على تسلسلٍ يتيح له الدخول للمصرف لإجراء معاملة يستلمها، ليذهب بها بعد ذلك إلى مصرف داخل المطار يصرف له مبلغ 3 آلاف دولار أميركي لأغراض السفر مع بهذلةٍ وتزاحمٍ وعجلة، خوفًا من غلق باب الطائرة التي لا تنتظر أحدًا من المسافرين، لسبب أنه كان في زحامٍ للحصول على الدولار، عناءٌ وعبءٌ جديدٌ من منجزات الدولة لمواطنيها في النيل من كرامة المواطن، من أجل شراء 3 آلاف دولارٍ أميركي للمسافر، ثم أطلّت على رؤوس البسطاء من المسافرين ظاهرةٌ جديدةٌ وهي استغلال جوازاتهم المستنسخة من قبل سماسرة ومكاتب وشركات صيرفة، تشتري الدولار بأسمائهم ومن دون علمهم، أحد المسافرين للعلاج تفاجأ في أحد فروع مصارف الرشيد في بغداد بأن اسمه موجودٌ في منصة البنك المركزي على أنّه سافر في بداية شهر سبتمبر الحالي، واشترى ثلاثة آلاف دولارٍ أميركي، وهو لم يسافر منذ عام، وآخرين تتم الحوالات بأسمائهم من دون علمهم، ومشكلات أخرى كثيرة سببها وعقدتها سياسة البنك المركزي، الذي ضيّق الخناق على المواطن البسيط فقط، وألقى به في أفواه شركات وسماسرة الصيرفة، وفرحة المصارف الحكوميَّة بعمليَّة التزاحم على أبوابها، لأنها فتحت منافذ جديدةً للرشى في تقديم وتأخير الدور للمراجعين أو القبول بالاستلام والتسليم، في هذه الفوضى التي تعمُّ الشارع العراقي من أكثر المتضررين هي فئة المواطنين، الذين لا يتاجرون بالدولار، هم الطلبة الدارسون في الخارج والمرضى والمقيمون والمسافرون لأغراضٍ مختلفة، فهل يشرح لنا البنك المركزي كيف تستطيع عائلة الطالب، الذي يدرس في الخارج أن تبعث له حوالة أجور الدراسة السنوية، اذا كانت قيمتها تفوق عشرة آلاف دولار؟ ومن أين تشتريها؟ وتحت أي تعليمات وضوابط؟ بقاء مهزلة بيع الدولار بهذه الطريقة أصبحت مثارًا للسخرية وسحتًا حرامًا لأصحاب الشركات ومكاتب الصيرفة، والبنوك التي تأكل الأخضر واليابس في هذه الدولة المغلوب على أمر مواطنيها في كل
شيء.