عبير القيسي
في دوراتٍ متواليَّة تُقام ببغداد بين الدور الناشرة لمؤلفات المبدعين العراقيين والعرب وكتَّاب الغرب، نجد في قلب هذه المناسبة السعيدة والمهذبة دعوةً صادقةً للنهوض بواقع الفرد، لرفع نسبة الوعي لديه مقارنةٌ بنسبة الجهل وانعدام المعلومات عنده، فهذه الكتب هي عصير تجارب المؤلفين وخبراتهم على مدى طويلٍ تعايشوا معه ضمن أكسير الحياة، فالقراءة حياةٌ ثانيّةٌ يعيشها القارئ عندما يتخيّل شخصيّات الرواية مثلاً، ويتناول أحداث القصة، تاركاً أسئلةً عميقةً وإجاباتٍ عديدةً على ما يترك إليه من مساحة للتفكير من قبل الكاتب.. فنجد أن ثمة علاقةً وطيدةً ما بين القارئ والكاتب ميزانها الكتاب، وما يحتويه من مضامين إبداعيَّة تُحاكي جلَّ جوانب عيش الإنسان، سواء كانت كتبًا علميَة أم أدبيَّة، شعريَّة أم نثريَّة.. وهذا يصب في مصلحة المجتمع إذ يرفده بعقولٍ متنورةٍ تدرك أفعالها وتحسن التصرف مع المواقف، التي تصادفها..
وهذا لأن أداة الإنسان عقله إنْ لم يطوّر هذه الأداة بالقراءة والمطالعة والتفكير المتجدد المتنوع بجميع المجالات سيجعله يفقد هويته ويصبح دون محتوىٍ لائقٍ بكرامة الإنسان العظيمة.. حيث إنَّ هذه المناسبات الموسميَّة هي بمثابة فتح صفحةٍ جديدةٍ للشخص مع ذاته ليطلَّع على الكتب الحديثة والقديمة، ويمارس هوايته في القراءة والتنوير الشخصي لذاته، مهما كان الداعم المادي لإقامة هكذا معارض مهمة، فالداعم المعنوي لحثِّ الناس وتشجيعهم على الذهاب إليها أعظم وأهم بكثيرٍ من الإنفاق عليها..
كما أنَّ نور المجتمعات التي تقرأ مستدامًا لا ينطفئ طالما كان العقل شعلةً موقدةً بالتفكير السليم والمعلومات المتنوعة لخلق جوٍ ثقافيٍّ في البيوتات والعلاقات، لذا فلخلق إنسانٍ سليمٍ علينا أن ندعم القراءة ونستمد من محتويات الكتب طرائقَ جديدةً، لتغيير حياتنا وأساليب تعاملنا مع بعضٍ، فكم نحن اليوم بأمس الحاجة إلى التغيير الفكري والنفسي والشخصي لنعيش المتبقي من أعمارنا بسلام؟.. كم يحتاج الفرد من الورق ليقرأه حتى ينهض بثقافته العامة، ويصل مستوى السلامة النفسيَّة؟ كم نحتاج من غيث العلوم لنبني شخصيات الناس وفق أسسٍ سليمةٍ تنتمي إلى الجوهر القويم، الذي من المفترض أن نكون جميعاً عليه؟
فهذه فرصةٌ لأن يجد القارئ نفسه في كتابٍ يبحر مع حديثه لساعاتٍ من الوقت المبارك في فهم قضية ما.. أو لإيجاد متعته بعيداً عن الطرق التقليديَّة في أحداث الترفيه النفسي للشخص.. عشرة أيام بإمكاننا استبدال وقت الذهاب إلى المطعم أو النادي الرياضي أو التسوق بالذهاب إلى المعرض من أجل البحث عن هويتنا بين اللغات العديدة، والمؤلفات المسطّرة في سبيل إمتاعنا والإحسان إلى عقولنا.. حيث يبدأ الإنسان حيثما ينضج عقله.