رعد كريم عزيز
من تجربتي الشخصيَّة انتقلنا من المرحلة المتوسطة إلى الإعداديَّة، ونحن نعرف أنَّ المرحلة الإعداديَّة يدرسها الطالب بسنتين، أما في الفرع العلمي أو الأدبي، ومن ثم ينتقل إلى الجامعة، وفي تلك السنة تغير الأمر، فأصبحت المرحلة الإعداديَّة بثلاث سنوات، الأولى سميت الرابع العام، وهو خليطٌ من منهجٍ علمي وأدبي بكتبٍ ضخمة الحجم وبمعلوماتٍ كثيرة، ومن ثم يختار الطالب إما الفرع الأدبي أو العلمي، أي حسب رغبته لا حسب الدرجات التي حصل عليها في الدروس العلميَّة أو الأدبيَّة.
واستمر الأمر هكذا والمناهج الدراسيَّة تتقلب من مختبرٍ إلى آخر تارة تتبنى المنهج المصري، ومرة ذهبوا نحو مناهج الخليج وخاصة في مادة العلوم للمراحل الابتدائيَّة. ولا تمرُّ سنة إلا وفيها أوامر الحذف والإضافة، نسبة للأهواء السياسيَّة وطبيعة نظام الحكم، وأذكر منهج علم الاجتماع للصف الرابع الإعدادي كمثال، فقد حفل بذكر الفلسفة الماركسيَّة بصفحاتٍ عديدةٍ، وجاء الأمر احذفوا هذا الفصل، وكان هذا في العام ١٩٦٨ عندما رجعت سلطة البعث إلى الحكم، وجاء أمرٌ آخر احذفوا من الصفحة الفلانيَّة إلى الصفحة الفلانيَّة، ما دفع بمدرس المادة وكان حينها رحمه الله الأستاذ (عزيز كمونة)، وهو مدرسٌ حليٌّ، وكان وقتها زار الصين التي قلما يزورها أحدٌ في ذلك الوقت، وعرف كمدرسٍ تنويريٍّ حر، التفت إلينا وقال: افتحوا الكتاب واعتبروه مصدرًا لكم وتحدّثوا عن صناعة النسيج في الحلة.
ثم مضى الزمن وتغيّرت المناهج، وهي تدخل المختبر، تارةً تكبر الكتب وتارةً تصغر، حتى أتت فكرة الأحيائي والتطبيقي، طبعاً رافق ذلك أسئلة أخرى وملازم أخرى ومعاهد وتدريس خصوصي، وطباعة كتب وصراع مطابع، ووصل أمر الفساد إلى هذه العمليَّة، لأنها تتكلف مبالغ طائلة.
واليوم صدرت الأوامر الجديدة بإلغاء التطبيقي والأحيائي واحتساب السنة عدم رسوب للذين لم ينجحوا، إذاً نحن أمام مرحلة جديدة وكتبٍ جديدة وتدريسٍ جديدٍ ومطابع وصراع مطابع جديد، ناهيك عن تأثير ذلك في المستوى العلمي للطلبة والارتباك في كل العمليَّة التربويَّة، وهذا يستدعي وقفة جادة لوضع مناهج حديثة تدوم لفترة مناسبة لا تربك التربية والتعليم وتجعل للكتاب والمنهج قيمة علميَّة رصينة تستشرف المستقبل تماشياً مع التطورات الحديثة، والاستفادة من تجارب الأمم التي حققت تطوراً واضحاً في مستوى التعليم وتطبيقاته العمليَّة، لا سيما أنَّ مستوى الذكاء العراقي - باعتراف الجميع - يبلغ درجة ممتازة وحقق أبناء العراق نتائج مبهرة، ولا ننسى أنَّ العراقيين في الخارج وفي جميع الاختصاصات أسهموا في رقي تلك الدول وبشهادة إدارات الجامعات في العالم.
إنَّها مرحلة حرجة ومن يريد أنْ يتركَ بصمة في التعليم العراقي عليه أنْ ينتبه لها بكل جدية ودراية فائقة ليعوضنا عن التخبط وسوء التخطيط.