عبد الهادي مهودر
لم يكن العالم مهتماً بأحداث أفريقيا كما هو الحال اليوم، فالانقلابات العسكريَّة والكوارث الطبيعيَّة وضعت أفريقيا في واجهة الأحداث، كما لفتت إلى زيارة رئيس بوركينا فاسو النقيب ابراهيم تراوري إلى روسيا نهاية شهر تموز الماضي الأنظار، بعد إلقائه خطابًا ثورياً ألهب حماس الأفارقة وأعادهم إلى ذكريات أيام الاستقلال والتحرر، ومن حسن حظ هذا الرئيس الشاب المولود عام 1988 أن الانقلاب العسكري الذي قاده عام 2022 تمَّ من دون ردة فعل دوليَّة، كالتي حصلت ضد انقلابيي النيجر لاحقا، ليضاف الرئيس تراوري إلى قائمة الرؤساء ( المبخوتين)، وحين عاد من رحلته إلى موسكو استقبلته الجماهير على طول الطريق بالهتافات والرقص والتصفيق، تأييداً لخطابه الثوري أمام فلاديمير بوتن، وحديثه عن تحرير الثروات من الطامعين ببلاد الشمس، ومثل أي زلزال تتبعه هزاتٌ ارتداديَّة، فلم يمر وقتٌ طويلٌ، حتى صحت الدول الغربيَّة على انقلابين عسكريين متتالين في النيجر والغابون، وتحديداً في مناطق النفوذ الفرنسي، وتكاد تكون الانقلابات في أفريقيا هي القاعدة والبقاء هو الاستثناء في ظل الفقر والفساد، ولا يمر عامٌ من دون محاولةٍ انقلابيَّة، لكن دولة السودان العربية الشقيقة، تتصدر الدول العربيَّة والأفريقيَّة في عدد الانقلابات بنحو ستة عشر انقلاباً عسكرياً، منها ست محاولاتٍ ناجحة، حسب آخر الإحصائيَّات حتى صراع الأخوين في الله والوطن البرهان وحميدتي .
وبينما كان العالم يترقب الرد الصاعق والاستعدادات للتدخل العسكري الفرنسي - الأفريقي في النيجر والغابون، تعرضت دولة المغرب في أعلى القارة الأفريقيَّة إلى زلزالٍ مدمر، تبعته بعد أيامٍ سيولٌ جارفةٌ في ليبيا، وأدى (غضب) الطبيعة في هذين البلدين العربيين الأفريقيين إلى صرف النظر عن خطط التدخل العسكري في النيجر أمام هول الكوارث الطبيعية، ولعدم ملاءمة الظروف لفتح جبهات قتال تعمّق جراح القارة السمراء، وأنقذت الطبيعة الانقلابيين ورسّخت بقاءهم في السلطة، الذي اصبح بحكم الأمر الواقع، وكانت مصائب المنكوبين عند الانقلابيين فوائد، فقد تراجعت وتيرة التهديد بالتدخل العسكري وعادت الحياة إلى طبيعتها في ظل العسكر، بينما عيون رؤساء الأنظمة السياسيَّة يؤرقها السهر والخوف من الجنرالات، بعد توالي الانقلابات، ومنذ تلك الأيام لم يبت رئيس دولة أفريقيَّة ملء جفونه عن شواردها، أما الحياة بعد السيول التي دمرت مناطق شرق ليبيا، فلم تعد إلى طبيعتها ولن تعود بسرعة، فقد اختفت قرى وتحطمت السدود والجسور، وفقد آلاف الليبيين حياتهم في الطوفان العظيم، ولا يمكن التنبؤ بأيام أفريقيا المقبلة وانقلابات السياسة والطبيعة، ولا نملك إلّا الدعاء إلى الله بأن تكون الكوارث الطبيعيَّة في المغرب وليبيا آخر أحزان العرب والعالم، أما الانقلابات العسكريَّة الأفريقية فحبلها على الجرار، وكل رئيس افريقي هو مشروع رئيس مخلوع والطايح رايح.