إعصار دانيال والأمن الجيولوجي

قضايا عربية ودولية 2023/09/18
...

علي حسن الفواز

كشفت كارثة إعصار دانيال في ليبيا عن رثاثة البنى المؤسساتيَّة، وعن أثر الصراع السياسي في حماية المدن من الكوارث الطبيعيَّة، ومحدودية عمل الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة التي يمكن أن تُخفف من أثر هذه الكارثة التي تجاوزت المعقول، فما حدث في مدينة درنة وما جاورها في الشرق الليبي جعل العالم يقف مذهولاً أمام هول ما جرى، فانهيار السدود والمباني والأبراج زاد من الطابع الكارثي للمأساة، ومن زخم السيول التي جرفت كثيراً من الناس والبيوت والسيارات إلى البحر، وهو ما تسبب بتدمير المدينة، وأودى بحياة الآلاف من الأشخاص، فضلاً عن فقدان أكثر من عشرة آلاف شخص.
تصريح الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة بيتيري تالاس عن الطابع الكارثي للإعصار، أثار جدلاً عن علاقة هذه الكارثة بالوضع السياسي المأزوم في ليبيا، والذي كان يمكن تفادي آثاره لو كانت هناك إنذارات استباقية فاعلة، وإجراءات مناسبة من قبل إدارات الحالات الطارئة، والخاصة بإجلاء السكان من الأماكن التي تعرّضت إلى سيول الإعصار، إذ ترك الصراع السياسي بين الفرقاء منذ سقوط نظام معمر القذافي تداعياته على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وعلى عمل كل الهيئات والمنظومات المعنية بالمناخ والبيئة، ومنها ما يتعلّق بـ"الأمن الجيولوجي" الخاص بـ"شبكة مراقبة الأرصاد الجوية وأنظمة تكنولوجيا المعلومات" والتي تعرّض كثير منها إلى التدمير والإهمال، رغم أنَّ المركز الوطني للأرصاد الجوية الليبي قد أصدر قبل 72 ساعة تحذيرات مبكرة عن الإعصار- كما تقول بعض الوكالات- إلا أنَّ اتخاذ الإجراءات المناسبة لم يكن بالمستوى المطلوب، وبما يناسب الحاجة إلى وصول مثل هذه التحذيرات إلى الجهات المعنية، وإلى الحكومة في شرق ليبيا لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بالإجلاء والتخفيف من مواجهة هذه الكارثة الإنسانية، وهو ما يكشف عن علاقة ذلك بالحاجة إلى الاستقرار السياسي، وإلى التنسيق مع فاعليات المؤسسات ومراكز البحوث وإداراتها العلمية والبحثية، ومع المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الإجراءات الحمائية.
إنَّ مخاطر هذه الكارثة لم تعد محصورة بطابعها الجيولوجي، بل إنَّ تداعياتها ستكون أكثر خطورة على الصحة العامة، وعلى انتشار الأوبئة والأمراض المنقولة، فضلاً عمّا تتعرّض له البيئة من تلوثات خطيرة، وهو ما يتطلب وجود جهود دولية ومحلية تتناسب وحجم الكارثة، على مستوى الدعم اللوجستي، أو على مستوى تأمين الإسناد الطبي، وكذلك على مستوى مواجهة مُخلّفات بيئة الصراع العسكري، واحتمال تعرّض الفرق العاملة إلى أخطار انفجار الذخائر ومخازن
الأسلحة.