الأحلام والعقل البشري

آراء 2023/09/19
...

 د.عبد الواحد مشعل

 

ينبغي التفريق بين الأحلام في المنام، وأحلام اليقظة، التي يرسم الإنسان فيها لنفسه واقعًا جميلًا وهو يَقِظ، والذي يهمنا هنا النوع الأول الذي شغل العقل البشري منذ الأزل حتى اعتبرت من المسائل، التي يمكن بها التنبؤ بما سيحدث للإنسان من أحداثٍ أو تحقيق أشياءٍ يريدها أو يسبشر بها خيرًا، وتكون محرّكًا لآماله وطموحاته، أو العكس مخيبة لها، وقد انبر العشرات من المفسّرين مؤلفين بصددها عشرات الكتب، حتى عرفت تلك التفسيرات بمفسريها، كما الحاصل في الثقافة الإسلاميَّة كتفسير ابن سيرين وغيره، والذي يهمّنا هنا الوقوف على الأبعاد النفسيَّة والاجتماعيَّة للأفراد الذين يعدّونها من الأمور التي تحتاج إلى تفسير، فالجوانب النفسيَّة تتصل بما يحمله اللاشعور في تاريخ الإنسان البعيد، من تجاربَ حسنةٍ أو سيّئةٍ حصلت في تاريخ شخصيته، التي قد يمتد إلى مرحلة الطفولة، وما تحمله من تجارب، فيكون ظهورها في المنام كشريطٍ أشبه بالسينمائي، التي تستحضر خلاله شخصياتٍ لم تكن موجودةً في حالة الشعور، أما الأبعاد الاجتماعيَّة فهي تذهب إلى ربط الأحلام بالحياة الاجتماعيَّة الحاضرة، وكيفيَّة تحقيق بعض ما ورد فيها في حياة الإنسان الاجتماعيَّة اليومية، لذا يحمل ذلك في طيّاته قيمةً علميَّةً في مجال الانثروبولوجيا النفسيَّة باعتبارها ظاهرةً نفسيَّةً واجتماعيَّةً في آنٍ واحد، ومحاولة الوقوف على الأحلام وكيف ينظر إليها الإنسان من وجهة قناعاته ومرجعيّاته الثقافيَّة والدينيَّة اختلفت الرؤى والتفسيرات بصددها، حتى شغلت بال الكثيرين من الناس في تفسيرها، على وفق ما يرون في بعضها خيراً سيفتح أمامهم باب الأمل، وأخرى يرونها شؤوماً، اذا كانت مؤشرات المفسرين وتجارب المنقولة في التراث الشعبي تشير إلى سلبيتها، ما ينتابهم من خوفٍ يؤثر في شخصياتهم ويربك أعمالهم، ويشعرهم بالإحباط، وقد دلّت التجارب وبعض الدراسات على أن انشغال الإنسان بالأحلام وتاثيرها في المجال النفسي والاجتماعي يكون قويًّا في مجتمعٍ تقليديٍّ تختلط فيه الثقافة الدينيَّة والاجتماعيَّة وبعض الأفكار التي تسيطر على البنية العقليَّة للإنسان، ويكون أقلَّ في المجتمع المتقدم، التي تسود في المعرفة العلميَّة والتفكير العقلاني، لذا فإنَّ تقديم صورةٍ عن الأبعاد النفسيَّة والاجتماعيَّة للحلام وتاثيرها في حياة الإنسان، وما تتركه من مفاهيمَ وأفكارٍ في حياة الأفراد بين مصدّقٍ بنتائجها ومعترضٍ عليها بناءً على مستوى الوعي الاجتماعي في المجتمع، وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى دراسة العلّامة الدكتور علي الوردي في كتاب (الأحلام بين العقيدة والعلم )، والذي يبيّن فيه أن الأحلام عبارة عن تجارب للأفراد حفظت في اللا شعورهم وتخرج إليهم في منامهم، أي تخرج إلى الشعور في استذكارها ورؤية تفاصيلها، بشكلٍ أو بآخر، وأنها في الاصل ظاهرةٌ نفسيَّةٌ واجتماعيَّة وهو يستبعد علاقتها بالمسائل الدينيَّة. وبهذا المعنى فإنَّ معرفة آراء الأفراد عن اعتقاهم بها، والأسباب التي تقف وراءها على حسب تصوراتهم، أعطت للانثروبولوجيا النفسيَّة حق الاهتمام ودراستها، وكشف تأثيرها في حياة الإنسان، لا سيما تلك التي تتفاعل فيها الثقافة مع الجانب النفسي، وعليه فالأحلام من الظواهر التي تستحق الدراسة، وفهم ماهيّتها النفسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، في مجتمعٍ تؤثّر في الأفكار التقليديَّة والدينيَّة مقابل وجود رغبةٍ في كشف أسبابها على وفق المنهج العلمي، لذا فإنَّ الأهمية الأساسية هنا، تكمن في بناء معرفةٍ نظريَّةٍ عنها، فضلا عن بناء معرفةٍ تطبيقيَّةٍ من خلال الوقوف عليها ميدانيّا، كما تبرز أهميتها كونها من الظواهر التي أخذت التخصصات العلميَّة الاخرى مثل علم النفس وعلم النفس الاجتماعي الاهتمام بها، ناهيك عن الدراسات في المجال الديني.