ممرّات الربط بين الشرق والغرب

آراء 2023/09/19
...

 سناء الوادي 

سعادة غامرة ارتسمت على محيّا الرئيس الأمريكي جو بايدن عند الإعلان عن الممر العظيم، الذي يربط الشرق بأوروبا مروراً بالخليج العربي، ما يثير آلاف التساؤلات ويضع خلفها العديد من إشارات التعجب.“ هذا المشروع سيغيّر قواعد اللعبة، وربّما سيغيّر وجه العالم “ هذه هي كلماته لزعيم البيت الأبيض وما خفي بين السطور وخلف الأحرف له معانٍ كثيرة وتلميحٌ صريحٌ لغاياتٍ ينشدها العم سام وبالمثل فقد عبّر نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني عن أمله بهذا المشروع الذي سيمرّ بإسرائيل عبر ميناء حيفا، كل يغني على ليلاه ويعزف على أوتار أحلامه موسيقى المستقبل التي تضمن بقاءه وتغوله.

هذا وعلى ما يبدو وبعدما تقلّمت أظافر واشنطن وهي تضع العراقيل أمام مشروع القرن الأكبر على الإطلاق، والتي بدأت به فعلياً الصين منذ العام 2013م بعد إعلان شي جينبينغ الرئيس الصيني عن عزمه إحياء طريق الحرير “ طريق التجارة التاريخي”، لكن بهيكليَّةٍ جديدةٍ أكثر تطوراً تعتمد التكنولوجيا وتأهيل الموانئ وسكك الحديد لتبادر دولٌ كثيرةٌ بالانضمام إليه حتى بلغت مئةً وخمسين دولة وإنشاء قرابة الخمسين مدينةً صناعيَّةً والطريق لأول مرة يخترق ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، وبتوصيفٍ آخر ثلاثة أرباع سكان الكوكب وهذا ما أثار جنون واشنطن، فقد تعاظم شعورها بقرب سيطرة التنين الصيني على العالم، وما قد يتبعه من إحلال اليوان مكان الدولار يوماً ما، ومنذ ذلك الحين لم تألُ جهداً لإفشال المشروع بكل الطرق الممكنة، فها هي قد بثّت الشكوك هنا وهناك بنيَّة بكين بالسيطرة على العالم وروّجت الأقاويل حول فخ الديون، الذي تنصبه الأخيرة للدول الفقيرة والنامية التي قد تعجز عن سداد ديون تأهيل البنى التحتيَّة في بلدانها، وبالتالي ستتنازل عنها للصين، وخير مثال تسوقه واشنطن على ذلك ميناء هامبونتادا في سيريلانكا، الذي استأجرته بكين لمئة عامٍ قادمةٍ مقابل ديونها على الحكومة السيريلانكية.

ناهيك عن المحاولات المتكررة لفرض العقوبات على التنين لحرمانه من امتلاك التقنيَّات الدقيقة والحسّاسة اللازمة للصناعات الصينيَّة، والتي تفوقت بها على الجانب الأمريكي قد فشل البعض منها ونجح الآخر بشلٍّ جزئيٍّ لاقتصاد الصين، فضلاً عن محاولة تقوية دور صندوق النقد والبنك الدولي لمواجهة بنك التنمية الجديد لمنظومة البريكس، والذي تلجأ إليه الدول الفقيرة حين الحاجة. 

وفي آخر خطواتها لجأت واشنطن إلى المداواة بأسباب الداء، فإذا أصبح طريق الحرير واقعاً فلن يكون الأوحد إذا ما غدا الممر العظيم واقعاً أيضاً، وفي هذا المشروع تضرب الأخيرة عدة عصافير بحجرٍ واحد، أولها تقوية دور الهند شرقاً وثانيها ربط دول الخليج العربي بخيط الولايات المتحدة من جديد، بعدما تقارب الجانبان الخليجي الصيني في الفترة الأخيرة، بغض النظر عن وجهة وأهداف هذه الدول من الموافقة على الانضمام له والهدف الأهم والأقرب للمنطق هو تقارب سياسي بين المملكة العربيَّة السعوديَّة وإسرائيل كنقطة الانطلاق لاتفاقيَّة إبراهيميَّة جديدة للتطبيع مع القاطرة العربيَّة الإسلاميَّة الأساسيَة وهو ما يسعى إليه بايدن جاهداً، لكسب ورقةٍ رابحةٍ يمسكها بيده في الانتخابات الرئاسيَّة الأمريكيَّة في العام المقبل، حيث من غير المعقول إتمام المشروع في جوٍ مشحونٍ سياسياً وأمنياً بين دول مروره وهذا بالضبط يعدّ تفسيراً للسرور الكبير، الذي يعتري نتنياهو أثناء إعلان الممر الكبير أمام الإسرائيليين، فهذا الأخير أيضاً قد فقد الكثير من شعبيته ويواجه مشكلاتٍ معقّدةً في 

حكمه.

وضمن هذا السياق تسرّبت الكثير من الأنباء عن صفقات سعوديَّة أمريكيَّة للتعدين بالدول الأفريقية التي ضاقت ذرعاً بالوجود الأمريكي المشكوك به واللجوء لأحضان الرياض، بدلاً منه وهنا تتحقق المصلحة المشتركة بالاستثمار بالمعادن اللازمة لصناعة بطاريّات السيّارات الكهربائيَّة، فتحصد فائدته السعوديَّة التي باتت رائدةً في هذا المجال من جهة وتبتعد به الشركات الأمريكيَّة عن قيود البيئة، ناهيك عن استغلال خيرات القارة السمراء وإبعاد بكين عن هذه الساحة. 

في عالم السياسة يلجأ المتخاصمون للاقتصاد فأمّا الغلبة فتكون للأقوى والأغنى، ومن قدر الدول العربيَّة من غابر الأزمان أن تكون مطمعاً للغزاة، وأرضاً خصبة للناهبين، فماذا لو تكاتفت في وجه هذه الحيتان واستغلّت موقعها الجغرافي المتوسط للعالم وثرواتها الوفيرة للعب الأوراق السياسيَّة بحرفيَّةٍ وحنكة.... هل كان هذا هو حالنا اليوم؟.