الطمر الصحِّي والطمر الإنساني

آراء 2023/09/19
...







 سعاد الجزائري


عرضت إحدى القنوات تقريرًا عن منطقة الطمر الصحِّي (للمزابل) في مدينة النجف الأشرف، والتقرير لا يتطرق إلى موضوع تدوير النفايات والاستفادة منها في توليد الطاقة، لكن ما شاهدته كان تحت عنوان؛ منطقة (الطمر الصحِّي) والحقيقة لم يطمر أيَّ شيءٍ بهذه (الكارثة البيئيَّة والصحِّية)، بل إن المزابل والأكياس فاتحة ذراعيها لنشر التلوث والأوبئة ليس في محيط المنطقة فقط، بل في عموم الجو العام..

والأكثر هولا بهذا التقرير هو انتشار نساءٍ وأطفالٍ وكبار سن، وهم ينقبون بين الأكوام الملوّثة عما يعيلهم على سد رمق أسرهم، وتوفير الحد الأقل من الأدنى للعيش، وليس العيش الكريم..

حسب التقرير وحديث (مستهلكي) منطقة (الطمر الصحِّي) يقول أحدهم:

- نحن نعيش على هذه المزابل، ونبحث عمّا يمكن بيعه أو حتى أكله، حيث لا عمل لنا ولا ضمان اجتماعيا.

ويضيف طفلٌ آخر، وهو بالخامس ابتدائي: تركت المدرسة الصباحيَّة لأساعد أبي في البحث عن أشياءٍ يمكن أن تفيدنا، ومساءً أذهب للمدرسة..

هذا الطفل يقولها بألمٍ لأنَّه طمر تعليمه ليعمل في منطقة طمر المزابل...

كل هذا ليس بالاعتيادي بل وخارج المألوف، ودون مستوى العيش الكريم بما لا يُقاس، وفقًا للقيم الإنسانية للعيش، كما ندّعيه ونقوله، لكن الموجع أننا وقّعنا على اتفاقيَّة حقوق الطفل العالميَّة، والتي تؤكد ضرورة تعليم الطفل وعدم استغلال عمالته دون السن القانونيِّة.....الخ من بنودٍ نصّت عليها الاتفاقيَّة، ويفترض بنا تطبيقها بناءً على توقيعنا وموافقتنا على ما ورد فيها، لكن الواقع يقول ويكشف نقيض هذه البنود، فأطفالنا يتوزعون بين إشارات المرور والطرقات، ليلًا ونهارا، حسب جدول وكلاء (الشحاذين)، من أجل التسول لصالح عصاباتٍ يزداد نفوذها يومًا بعد آخر، أو يتوزعون بين المزابل، بحثًا عن كنوزٍ قد تلمع بين عفن هذه المناطق.

الأشدُّ غرابةٍ من كل هذا أن التقرير يتناول مدينة النجف الأشرف التي استضافت، مع كربلاء، وأطعمت 22 مليون زائر مجاااااااانا، وفقًا لمعلوماتٍ نشرت على غوغل وحسب بعض الفضائيات.

 الإمام الحسين وثورته التي دافعت عن المظلوم والفقير يستحق أن يتوافد من أجله الملايين، لكنْ هذا الثائر العظيم والمدافع عن الحق والمناصر للضعيف قبل القوي والفقير قبل الغني، لا يرضى لمدينةٍ تصرف الملايين على زوارها، بينما يعيش قسمٌ من أهلها بين المزابل بحثًا عن لقمة عيش..

من يناصر الحسين عليه أن يطبّق مبادئ ثورته وقيمها السامية، ويصون كرامة وعزة أهله قبل الغريب...

أنا على يقينٍ أنَّه تمَّ هدر ما قيمته ملايين من الدنانير بهذه المناسبة، وهذا الهدر كانت أسر منطقة الطمر الصحِّي أولى به، بل وأولى من الإطعام المجاني لملايين الزوار، الذين الكثير منهم قادرٌ على إطعام نفسه، ولا أعني هنا الفقراء بالطبع.

صحيح أشاد الكثير بالكرم والترحاب الذي قوبل به زوار الأربعينيَّة، لكنني لم أستطع أن أفك الربط بين نساء واطفال يفتشون عن لقمتهم في مزابل مدينة مقدّسة وبين إطعام مجاني لـ ٢٢ مليون زائر...

أخيرًا أتساءل ألسنا أصحاب قول:(الأقربون أولى بالمعروف)..

وأضيف أن هذه المشاهد ليست في مدينة النجف فقط، لأن مناطق الطمر الصحِّي كثيرةٌ والفقر أكثر بكثير.