الاستقرار السياسي سبيل التنمية المستدامة

آراء 2023/09/19
...






 عباس الصباغ     


منذ تأسيس دولته المعاصرة بعد التخلص من الاحتلال العثماني، ودخوله تحت الاحتلال البريطاني، لم يحظَ العراق بأيِّ استقرارٍ سياسيٍّ سوى في أوقاتٍ قليلةٍ جدا، ولطالما عانى العراق من الفاعل الخارجي، كما عانى من تشابك المصالح الإقليميَّة/ الدوليَّة كونه محط أنظار مطامع الآخرين بسبب موقعه الجغرافي الستراتيجي وأهميته الجيوسياسيَّة المائزة وخيراته الوفيرة فهو في قلب الشرق الاوسط ويمثل السلّة الاقتصاديَّة/ الطاقويَّة للعالم، كما عانى من تصارع وتشابك الأيديولوجيّات وتياراتها المتعاكسة، وقد دفع الشعب العراقي الثمن باهظًا من تلك التناقضات، فنلحظ الهزّات الكبيرة التي تعرض لها العراق نتيجة الانقلابات والاحتلالات والصراعات الداخلية، ولم يتسنَّ له أن يتنفس الصعداء أو يجد طريقه نحو الرفاهيَّة والاستقرار والتنمية المستدامة، وكان المشهد العراقي المأزوم يختلف عن جميع دول الجوار والمحيط الإقليمي، التي خطّت خطواتٍ لا بأس بها نحو الاستقرار السياسي/ الاقتصادي/ المجتمعي/ التنموي/ الاستثماري، بسبب التأسيسات الدولتيَّة الفاشلة والأخطاء الحكوماتيَّة، التي كانت مرآةً عاكسةً لتلك التأسيسات، وزاد الطين بلّة وقوع العراق تحت سطوة الديكتاتوريات المتعاقبة، لا سيما الديكتاتوريَّة الشموليَّة التوتاليتاريَّة البعثيَّة التي أحرقت الأخضر واليابس وأرجعت العراق إلى عصر ما قبل الدولة وادخلته في اتون سلسلة من الحروب العبثية، والحصارات الجائرة والتي ليس للمواطن العراقي البسيط ناقةٌ ولاجمل، الامر الذي جعل الفاعل الخارجي (امريكا) منساقًا إلى التدخل في الشأن العراقي، كما فعلت بريطانيا في مطلع القرن الماضي بالتدخل السافر فيه بعيدًا عن رغبة العراقيين وفرض ارادة العامل الخارجي عليهم، تبعا لمصالحه ومطامعه ولغاية التوافق والتوازن الدوليين.

فحدث التغيير النيساني المزلزل (2003) الذي اطاح بأعتى ديكتاتورية ذات نهج بوليسي ستاليني، فدخل العراق مرغمًا في دهليزٍ مظلمٍ آخر وذلك بتأسيس عمليَّة سياسيَّة ـ تحت إشراف المحتل ـ وفق مبدأ الديمقراطيَّة التمثيليَّة التشاركيَّة، وبتفعيل مبدأ المحاصصة والتي أرسى مجلس الحكم مبادئه بحجة استيعاب تناقضات المشهد السيا/ اجتماعي/ الاثني العراقي، وسارت على هذا النهج جميع الحكومات العراقيَّة المتعاقبة و(المنتخبة) ديموقراطيّا، الأمر الذي ساهم باستشراء الفساد الشمولي في جميع مفاصل الدولة ومحاورها، لأن إسلوب التحاصص يعني في أبسط ما يعنيه إتيان الشخص غير المناسب في المكان المناسب، وغضّ النظر عن عيوب ومساوئ غير الكفوء ماساهم في إهدار الاموال العامّة وقوت المواطنين، التي راحت هباءً منثورًا في جيوب الفاسدين، بسبب الفساد الذي كان شموليًّا وعامًّا مع ضياع أغلب فرص التقدم والازدهار مع تدني فرص تقديم الخدمات التي تقدمها البنى التحتية.

يفترض ـ كما يبدوـ أن حكومة السيد السوداني قد استوعبت ما سلف من أخطاء التأسيسات الدوليَّة والحكوماتيَّة السابقة والفاشلة، رغم أن التركة ثقيلةٌ جدا، لكنها تحاول أن تتجاوز ذلك الإرث المتراكم من تلك الأخطاء والسلبيَّات بتقديم برنامجٍ حكوميٍّ خدماتي (حكومة خدمات) مع النية الصادقة في محاربة الفساد، الذي استشرى في كلِّ شيء، والكثير من الدلائل تشير إلى أنها خطّت خطواتٍ مهمّةٍ وناجحةٍ في هذا المسعى وصولًا إلى تحقيق التنمية المستدامة ولأول مرة في العراق، فالاستقرار السياسي مهمٌّ للوصول إلى مشارف التنمية المستدامة وتحقيق أكبر قدر من الخدمات، كونه ممهدًا للاستقرار الاقتصادي/ التنموي/ المجتمعي/ الأمني/ الاستثماري... الخ.