التوتر ليس حلّاً

آراء 2023/09/20
...

 د. علي كريم خضير

في الأيام الأخيرة شهدت محافظة كركوك توترًا جديدًا باصطفاف مكوناتها بوجه القوات الكرديَّة (البيشمركة)، التي أرادت أن تعود إلى مواقعها السابقة قبل التحرير عام 2017 ونظرًا لسوء العلاقة، التي كانت تربط هذه القوات بسكانٍ المنطقة حصلت على إثرها صدامات مسلحة وقع فيها عددٌ من الضحايا. لا شك أن الشعب الكردي جزءٌ لا يتجزأ من مكونات المجتمع في كركوك بوصفها أيقونةً حقيقيَّة لماهية الشعب العراقي ومكوناته الأخرى. وقد توافر هذا الخليط المتجانس منذ قرونٍ عدَّة على حياة كريمة وتعايشٍ سلمي بعيد عن أية تجاذباتٍ للكراهية ونفي الآخر. بيد أنَّ العقود المتأخرة أفضت إلى نوعٍ من تضارب المصالح بين القوى الفاعلة، فأصبح هذا الصراع يحمل صبغةً سياسيَّةً بحتة غايتها كسب المغانم على حساب راحة المواطن وأمنه واستقراره النفسي والمعيشي. وقد تبادل هذا الدور في (تعريب كركوك)، النظام المباد في عملياتٍ ظاهرةٍ للعيان أبَّان التسعينيات، وفي الوقت ذاته مورس هذا الدور من قبل الجانب الكردي في (تكريدها) على نطاق واسع بعد عام 2003 مصحوباً بتصريحاتٍ ناريَّة أدَّت إلى أزمة العلاقة بين الإقليم والمركز أحياناً كثيرة.
 ولسنا اليوم في معرض سرد الإشكاليات وبيان المواقف المخطوءة بقدر ما نحن بأمسِّ الحاجة إلى إيجاد الحلول والمعالجات العقلانيَّة، التي تُعيد البيت العراقي إلى هويته الوطنيَّة في أجواء آمنة يشعر فيها الكردي والتركماني والإيزيدي والعربي أنَّهم أخوة متحابون تحت راية عراق واحدٍ موحدٍ بأطيافه المتعددة، وأن يكون هذا التنوع مصدراً أساساً من مصادر القوة، بفعل ما ينطوي عليه من ثقافاتٍ متنوعةٍ تغذي عقول أبنائنا بالإبداع والتميز، وتشيع بينهم مبادئ المساواة والحق والعدل والإيثار وتقبُّل الآخر. وإذا كان الشعب هو مصدر السلطات للديمقراطيَّة في العراق، فعلى الجميع تقع مسؤولية الحفاظ على الأمن واتِّباع الطرق القانونية في حلِّ الخلافات بين الأفراد والجماعات.
 وقد يتفق الجميع على أنَّ الأنظمة السياسيَّة، التي تعاقبت على حكم العراق كانت في الأعمِّ الأغلب لاتتخذ الوسطية في التعامل بين هذه المكونات القوميَّة والإثنية مذهباً، ولاسيَّما النظام البعثي الجائر الذي تولَّى الحكم منذ عام 1963 وحتى 2003، وإن التغيرات الطبوغرافية والسياسيَّة، التي أحدثها في البلد كلَّها أصبحت اليوم مثاراً للخلاف في الوسط السياسي، وإنَّ اتخاذ هذه الحقبة نقطة انطلاق لحلِّ الإشكاليات العالقة يعود بنا إلى نقطة الصفر ولا يؤدي بنا إلى ما نطمح إليه البتة.