علي حسن الفواز
كشفت مجريات الصراع في أفريقيا عن معطيات سياسية واقتصادية وأمنية لم تكن بحسابات الغرب، ولا بإجراءاته التي توقعت أنّ الفقر الاقتصادي، والهشاشة الأمنية في أغلب بلدان القارة السمراء ستُحجّم من أي حراك سياسي، أو انقلاب عسكري يذهب باتجاه التمرد على الذاكرة الاستعمارية، فتاريخ الانقلابات الأفريقية يرتبط بطابعه المحلي، وربما كانت في بعضها لا تعدو أنْ تكون تبادلَ ادوارٍ بين حرّاس الجمهوريات وبين أجهزة مخابراتية دولية، كانت تسعى من خلالها إلى تعزيز مصالح شركاتها الكبرى، وحماية الحكومات التابعة عبر إجراء انتخابات معروفة النتائج، تضمن لها سيطرة أكبر لشركات تعدين الذهب واليورانيوم في مناجم القارّة.
ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً بأنَّ جماعة "فاغنر" مازالوا يسيطرون على مواقع مهمة في أفريقيا رغم مقتل قائدهم، يُثير جدلاً حول تداعيات تلك الانقلابات، وآثارها السياسية والاقتصادية على الغرب، فما أشارت إليه الصحيفة بأنَّ عاصمة أفريقيا الوسطى " بانغي" مازالت القاعدة الرئيسة للجماعة، وتفرض من خلالها إجراءات على اقتصاد البلد وأمنه، يؤكد واقعية هذه المتغيرات، وربما سيُفضي إلى سياسات أكثر راديكالية في بلدان أخرى مثل النيجر ومالي والغابون وبوركينا فاسو، التي فرض فيها الانقلابيون وقائع جديدة، وتوجهات تدعو إلى الخلاص من "الذاكرة الاستعمارية" لاسيما فرنسا التي طالب المتظاهرون بقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
تأزيم هذه العلاقات كان عاملاً في تشتيت سياسات التنسيق والتعاون بين فرنسا والولايات المتحدة، إذ دعت الثانية إلى عدم استخدام القوة التي ايّدتها فرنسا في مواجهة الانقلابات العسكرية، فضلاً عن العمل على اتباع نوع من الحياد والحذر في التعاطي مع "القضية الأفريقية" على أمل ألا تفقد قواعدها، وأن تُعطي فرصة للروس والصينيين لفرض سياسة الأمر الواقع في هذه الدول، وهو ما أكده المسؤولون في جمهورية أفريقيا الوسطى بعد زيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف إلى بانغي، بالقول: إنَّ لديهم "علاقات مع روسيا على مستوى دولة مع دولة".
هذا التصريح يعكس الطابع العسكري والأمني للعلاقات مع روسيا، وعلى نحوٍ يجعل علاقاتهم مع "جماعة فاغنر" قريبة من السياسات الروسية في أن يكون لها موطئ قدم اقتصادي وسياسي وأمني في أفريقيا، وهذا ما يجعل الحذر من الطابع "الإيديولوجي" لهذه الانقلابات العسكرية أمراً خطيراً، لأنّ ما يجري على الأرض قد يمتد إلى بلدان أفريقية أخرى تعاني من أزمات اقتصادية، ومن تحديات أمنية كبيرة.