هشام داوود
يبدو أن مبادرة الحزام والطريق الصينيَّة الطموحة تفقد زخمها وسط الانكماش الاقتصادي في البلاد، وارتفاع عبء الديون على المقترضين مما دفع بكين إلى إعادة التفكير. تواجه المبادرة والتي هي جزءٌ من خطة الرئيس الصيني تحديات بسبب تزايد حالات التلكؤ في الالتزامات المالية، لذلك يتطلع الرئيس الصيني إلى تعويض النكسات من خلال محاولة تعزيز ربحيَّة مشاريع الحزام والطريق.
وتأتي إعادة التفكير في وقت تتصارع فيه العديد من الدول بسبب عبء الديون، خصوصاً أن الدولة الوحيدة ضمن مجموعة السبع (G7) المتواجدة في المبادرة وهي (إيطاليا) تخطط للخروج منها واعتبرتها غير مجدية، إضافة إلى أنَّ هناك العديد من الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق تعاني من عجزٍ تجاريٍّ كبير، واغلب الدول أصبحت حذرةً بشكل متزايدٍ بشأن الوقوع في ما يسمى “فخ الديون”، بينما الفائض التجاري للصين مع دول مبادرة الحزام والطريق ازداد بشكلٍ ملحوظ.
وبما يخص مشكلات الديون فإن كورونا لعبت دوراً محورياً في دفع الصين إلى إعادة تقييم ستراتيجيتها تجاه الدول، لأن هذا الوباء ألحق أضرارا كبيرةً أدت إلى زيادة في إعادة التفاوض على الديون وشطبها.
فبين عامي 2020 و2022 أصبحت القروض التي تشمل المقرضين الصينيين بقيمة 76.8 مليار دولار متعثرةٍ بشكل أساسي، وهو ما يزيد بمقدار ٤.5 مرة عن الفترة بين عامي 2017 و2019.
وزادت الصين مساعداتها المالية لدول الحزام بما في ذلك مقايضة العملات لحد عام 2019 حيث تم استثمار ما يقرب من 100 مليار دولار سنويا، كذلك لعب التباطؤ الاقتصادي في الصين دورًا في هذا الانخفاض وبقيت احتياطاتها الأجنبية التي تدعم الاستثمارات الجديدة راكدةً نسبيًّا لما يزيد قليلا عن 3 تريليونات دولار.
كان للسياسات الداخلية دورها، فبعد إعلان الصين عن إعفاء الدول الأفريقية من الديون في آب 2022، حدث صخبٌ واسع النطاق عبر الإنترنت يحثُّ الحكومة على تقديم دعمٍ مماثلٍ لتغطية النفقات الطبيَّة والرهون العقاريَّة للمواطنين الصينيين داخل البلاد، وإذا استمر الإحباط في التصاعد بسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني، فقد يصبح صعباً على الأمة تخصيص الموارد للمشاريع الدولية في إطار مبادرة الحزام والطريق.
لقد مرَّ عقدٌ من الزمان عندما قدم الرئيس الصيني في ايلول 2013 رؤيته لإنشاء حزامٍ اقتصادي يربط الصين بأوروبا، ومنذ ذلك الحين ساهمت استثمارات الصين الكبيرة في جميع أنحاء العالم بنمو التجارة الدولية ونفوذها العالمي، لكن هذا المسعى الذي يركز على البنية التحتية، يواجه تحدياتٍ بسبب تباطؤ الاقتصاد المحلي وارتفاع حالات التخلف عن السداد الناجمة من عوامل مختلفة، بما فيها جائحة كورونا، ونتيجة لذلك يبدو أن هناك تحولًا في نهج الصين تجاه الاستثمارات الخارجية، حيث أكد الرئيس الصيني الحاجة إلى تعزيز ربحيَّة مشاريع الحزام والطريق.
هناك أكثر من 150 دولةً وقعت مذكرات تفاهم مع الصين، وينطوي الكثير منها على التعاون في مشاريع الاستثمار.
إن تجارة الصين مع دول الحزام والطريق شهدت نمواً ملحوظا بنسبة 76 % في الفترة من 2013 إلى 2022 متجاوزةً الزيادة التجاريَّة الإجماليَّة بنسبة ٥١٪ للصين خلال الفترة نفسها.
كما شهد الفائض التجاري للصين مع الدول هذه نموًا كبيرًا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 بلغ هذا الفائض 9, 197مليار دولار وهو جارٍ لتسجيل رقمٍ قياسيٍ سنوي جديد، وسمح هذا الفائض الذي يشكل نحو 40 % من إجمالي الفائض التجاري للصين في الحد من اعتمادها على التجارة مع الولايات المتحدة خصوصاً وسط تصاعد التوترات.
ولكن الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الآن، تعاني من عجزٍ تجاريٍّ متزايدٍ وتتضاءل آمالها في توسيع نطاق الوصول إلى السوق الصينيَّة (أي أن الصين هي المستفيد الوحيد).
والصين بدورها تتطلع لنهجٍ أكثر استدامةً لتقديم المساعدة الاقتصاديَّة، ولهذا السبب هناك ترقبٌ كبيرٌ في ما يخص التصريحات التي سيدلي بها الرئيس الصيني في منتدى الحزام والطريق شهر تشرين الاول
القادم.