علي حسن الفواز
أعاد خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العالم إلى ذاكرته، ليفتح أمام الجميع الجرح الفلسطيني، وليبدو حديثه عن “السلام” وكأنه حديثٌ تراجيدي كاشفاً فيه عن حجم المأساة الفلسطينية طوال “75” سنة، من الاحتلال والطرد
والنفي وسلب الحقوق المشروعة.
بدا الخطاب شبيهاً برسالة إلى العالم، وإلى الدول التي تتحدث بإسهاب وتطويل عن “الحريات” و”حقوق الإنسان” و”الديمقراطية” وربما كان ساخراً من التاريخ الطويل للقرارات الدولية، والبالغة “1000” قرار، مطالباً بتنفيذ قرار واحد منها، لتأكيد قيمة وشجاعة المنظمة الدولية، ولمواجهة عنت إسرائيل ورفضها لقرارات الأمم المتحدة، وسكوت ما يُسمى بـ”المجتمع الدولي” عنها، وسط ازدواجيات كبيرة في المعايير والسياسات، وتهديد تاريخي للوضع في القدس ولهويتها الرمزية والدينية.
جرأة الرئيس عباس وتوصيفه للأشياء بمسمياتها تعكس حالة الإحباط التي يعانيها الفلسطينيون من العالم الدولي الكبير، فرغم حديثه عن الحق في الدفاع عن شعبه، وعن قضيته، والتي يجب أن تكون قضية إنسانية، إلّا أنه كان صريحاً في حديثه عن الأسباب التي تقف وراء الصلافة الإسرائيلية متهماً الولايات المتحدة وبريطانيا بمسؤوليتهما عن صناعة “الكيان الصهيوني” و”الدولة اليهودية” بعد تنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وعن حماية سياساته في الكراهية
وفي احتلال الأرض.
ما دعا إليه الرئيس عباس من “ إحقاق الحق” أثار عصفاً وتصفيقاً في قاعة المؤتمرين، وهو ما دعا الوفد الإسرائيلي إلى الخروج من القاعة، وربما تحرّج الوفد الأميركي الذي وجد نفسه أمام هجوم سياسي وأخلاقي، رغم أنَّ ذلك لا يؤثر في تاريخ السياسة الأميركية المؤيدة لـ”إسرائيل” التي تمنع أي توجّه للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحتى منع إجراء الانتخابات الفلسطينية، لاصرارها على عدم شمول سكّان القدس الشرقية بهذه الانتخابات، وهو تجاوز فاضح يحدث أمام العالم، وأمام تغوّل إسرائيلي في السياسة وفي فرض الأمر الواقع الأمني، وحتى في السلاح النووي، وفي احتلال الأراضي العربية والفلسطينية في الجولان، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، فضلاً عن سياساتها في الفصل العنصري، وفي حرب المدن والسجون المفتوحة
والعزل السياسي والاقتصادي.
هذا الخطاب واشهاره عبر الفضائيات والمنصة الدولية يعرّي كل السياسات الاستعمارية التي تحولت إلى فضائح، وإلى إجراءات انتقائية، وإلى سخرية سوداء لما يجري في جبهات أخرى دخلت فيها الولايات المتحدة ودول الغرب منافحين، مدافعين، مُهددين بالويل والثبور إزاء قضايا لا يمكن حسابها إلّا بوصف المصالح وصراع الخنادق والهيمنات الدولية.