سعاد الجزائري
إنَّ السماع لنشرة أخبارٍ عراقيَّة تبدو للمتلقي وكأنه يشاهد عدة أفلام، بمواضيع مختلفة، خلال الساعة الإخباريَّة، حيث تبدأ النشرة بشكلها الرسمي، فيظهر مسؤولٌ يرتدي طقمًا أنيقًا وربطة عنق فاخرة، لكنه يحضر في اجتماع تشارك به وجوهٌ يعرف أغلبنا أنهم سراق خزينتنا ويجلسون بوقارٍ وبقسوة رجال المافيا، الذين اذا خالفهم أحدٌ فإن الخطف أو القتل (الاغتيال) أقلُّ عقاب له..
يستمر المقدم في نشرته فينتقل بنا إلى فيلم مختلف، حيث المناطق المنكوبة بالجفاف وهجرة سكانها قبل الموت جوعا، وحتى الأهوار التي اسميناها (بندقية العراق)، والتي أصبحت محميَّةً عالميَّة، لكنها الآن لم تعد بحاجةٍ إلى الحماية، لأنها جفّت وتشققت أرضها وسقطت جواميسها أرضا بسبب العطش وهاجر سكّانها قبل أن يضنيهم الجوع والعطش.
ننتقل بعدها إلى فقرةٍ أخرى أو بالأحرى إلى فيلم الرعب، حيث نرى مجموعة شباب تحمل صبيا بعمر أربعة عشر عاما، ذبحه رجلٌ على مرأى من الجميع، والغريب بالأمر أنك لا تشاهد، شرطة أو سيارة إسعاف، بل ينتشر حول المكان مجموعة من الشباب يحمل كلُّ واحدٍ منهم هاتفه النقال، ليصور القتيل أثناء حمله إلى السيارة والدم يلون الشارع بالأحمر، ويتسابق الكل لينشر فيديو الذبح على صفحته.
يستمر فيلم الرعب هذا منتقلا إلى جريمة أخرى، حيث تقوم إمرأة بمساعدة زوجها وشقيقها بذبح طفلٍ بسبب مشكلة حدثت مع أمه، ويتحدث أخ القاتلة فيقول بتأكيد واثق:
- أنا لا دخل لي بالجريمة، أنا فقط أمسكت بساقي الطفل أثناء الذبح!.
أفلام الجرائم تتصدر نشراتنا الإخباريَّة هذه الايام وتهز مجتمعنا الذي تعب من كثرة الهز، فقد تمَّ العثور في إحدى المحافظات على جثة طبيب قتل من قبل مجهول، بعد مغادرته المستشفى فجرًا عند انتهاء نوبته الليليَّة. إنَّ قتل الأطباء صرعةٌ جديدةٌ تفرد بها العراق دون غيره من البلدان، باعتبارنا صرنا مهرة في صناعة الموت..
ينقلنا المخرج إلى مشهدٍ آخر، حيث رجال يستغيثون بعدة جهات رسمية، لأن عصاباتٍ مسلحةً ومجهولةً تهدد السكان، وبقوة السلاح، يطلبون منهم بترك بيوتهم لأنهم يريدون مصادرتها، رغم أن أصحاب البيوت يمتلكون أوراقهم القانونية، ويختتم المشهد بصراخهم جميعا:
- “يعني تطلعونا من بيوتنا بالسلاح وين هسه نروح وألمن نشتكي!”
النشرة الإخباريَّة تستمر بتكديس القهر والظلم والفساد الذي يتوج كل نشراتنا الإخباريَّة وحتى برامجنا الترفيهيَّة. لكن الذي يخفف من وطأة تعاسة الأخبار، أحيانا، ان بعض الفاسدين انتقلت أماكنهم من الفنادق والسيارات الفارهة إلى خلف قضبان السجون، ولو استمر عرض هذا الفيلم فإن نشرة أخبارنا ستتغير كليًّا نحو الجانب المضيء منها. تختتم النشرة بخبرٍ ثقافي حيث ستشهد العاصمة بغداد معرضًا فنيًّا كبيرا، وهنا تتحرك كاميرا المصور بين أرجاء المعرض، لتتوقف عند لوحة سوداء وفي ركن منها يد نحيلة ممدودة وعلى الركن الآخر قطرة دم اخترقت سواد اللوحة من شمالها إلى جنوبها.
كل هذا تضمنته نشرة أخبار يومٍ واحدٍ فقط، حتى هوليوود لا يمكنها إنتاج هذا التنوع في أفلامها وخلال يومٍ واحدٍ فقط..