بغداد: نوارة محمد
تعتمد هدى أسعد المدرسة التعبيريَّة في مشغلها الفني وهي وإن مالت نحو التجريديَّة التي تجسّد الجوهر فإنّها تنتج مقاربات بين المدارس، لكنّها لم تبتعدْ كثيراً في طروحاتها عن فلسفة الأشكال وتناول القضايا التي تجسّد الواقع الذي غيَّر المشهد والمتلقي العراقي على حدٍّ سواء بعد عام 2003.
استلهمت هدى أسعد الموروث بأسلوب حداثوي وتعدُّ واحدةً ممن عبّروا عن الواقع بمساحات لونيَّة حرّة. وأرادت بعد أن أختارت منطقة اشتغالات جديدة ان تُعبّر بالأشجار والألوان عن الواقع كما حدث في معرضها (فضاءات حُرّة) الذي يُلاقي نجاحًا واسعًا وهو يعرض هذه الأيام في المعهد الفرنسي الثقافي ببغداد.
تقول التشكيلة هدى أسعد التي ولدت عام 1972 والحاصلة على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة لـ "الصباح": اشتغلت في معرضي السابق في مناطق الكتلة والفراغ بأسلوب تعبيري تجريدي ولذلك يطغى طابع التضاد بالألوان على أعمالي ثمَّ انتقلت الى موضوع فضاءات حرة، إذ أتُيحت لي الحريّة في التعبير عن الحركة داخل اللوحة. في هذا المعرض حذفت ما لم يعجبني واضفتُ ما وجدتُه مناسباً وهذا الانطباع عن التصور للمشهد البصري واتساعه وحركة الاشكال تضع المتلقي في التأمل لما تجسّده المكونات، فضلا عن الألوان المتجانسة التي تعكس الطبيعة الكونيّة.
تمزج أسعد في معرضها الشخصي الرابع بين الجمال والطبيعة والغموض ويبدو هذا المزيج واضحاً على لوحاتها. هي ترى أنَّ موضوعة الطبيعة الكونيَّة وما تحمله من متغيرات أنموذج واضح وصريح، وعلى الفنان أن يزجَّ نفسه في هذه الدائرة كي ينعكس ذلك على
فنِّه.
تقول أسعد: "منذ انطلاقتي الأولى في الرسم مطلع التسعينيات، عندما كنت أشارك في المعارض قدمت أعمالا ذات صورة لونيَّة وحيويَّة ووجدت أن موضوعات الطبيعيَّة الكونيَّة الحياتيَّة تحمل رسائل وقضايا لا تنتهي، وأجد في ذلك متعة شخصية في مناقشة القضايا، لأنَّ العمل الفني الذي لا يحمل رسالة معينة أو يناقش قضية قد يتحول الى ديكور فقط،. الفن رسالة، وعلى الفنان أن يبحث في الحياة اليوميَّة وهو يناقش ويسلّط الضوء على القضايا التي تحتاج الى حلول وتوثيق للتاريخ."
اختارت الفنانة التشكيلية هدى أسعد أسلوباً فنيَّاً معاصراً وعدت حضارة العراق والكتابة المسماريَّة التي اختارتها بعناية جزءاً من رحلتها الفنيَّة منذ أن شاركت في معرض الواسطي الذي أقامته وزارة الثقافة عام 1990 ومن ثمَّ معرض مهرجان بابل الدولي الذي استمرَّ لأربعة أعوام بين عام 1992 الى عام 1995.
وتتابع أسعد: تجسّد حضارة العراق ورموزه جزءاً كبيراً من تجربتي الفنيَّة وسرعان ما رسمت في لوحاتي مفردة الهلال والكتابات المسماريَّة وبعضاً من مفردات وادي الرافدين (الآلهة). لاقت هذه اللوحات شيوعاً واسعاً لا سيما أنَّ الموروث يدمج بين المعرفة والجمال والرمز والذي يعدّه مثقفون ذاكرة البلاد في العالم.
قدمت أسعد معرض اختزالات على قاعه حوار، ومعرض علامات تكوينيّة في عمان/ الأردن، ومعرض التساميات على قاعة ببغداد، وعن معرضها الأخير "فضاءات حرة" والذي تحاكي من خلاله الحياة الاجتماعيَّة. تقول: أظن أنّني مرتبطة شعوريَّاً بتلك العوالم وأظن أنَّ الفنان الحقيقي هو من يحول إحساسه إلى لوحة مرئيَّة، وهذه وظيفة الفن التشكيلي، إنّنا نجسّد ما يمرُّ علينا بهذه اللوحات والصور وباب التأويل مفتوح للمتلقي من دون قيد أو شرط وعدد الأعمال التي عرضتها تصل 20 لوحة فنيَّة بقياسات مختلفة وكبيرة الحجم.
وتشير إلى أنَّ الناس يولدون مزوّدين بموهبة ما، والعالم كبيرٌ جداً لاستيعاب هذه الطاقات التي لن تقف عند حدود معينة. لكن الرسم يبقى مهما بلغت الفطرة خاضعاً للتجربة والممارسة والدراسة الأكاديميَّة.