وأخيراً نطقت المياه

آراء 2023/09/25
...

  وليد خالد الزيدي 


المياه من أهم الأعمدة الرئيسة للاقتصاد العراقي لاستخداماتها الواسعة في جميع القطاعات، سواء كانت إنتاجيَّة أو خدميَّة أو بيئيَّة، وهي عبارةٌ عن مصدر حياة متكامل، ولذلك خصّها الله تعالى بآيات قرآنيَّةٍ كثيرة، وجعلها تاجًا لجنّات المؤمنين في الآخرة ونعمة للبشرية في الدنيا، كما خصَّ أرض بلادنا بمصادر وفيرة من تلك النعمة، تجري على الدوام منذ الخليقة من دون توقف أو اضمحلالٍ، وما يعانيه بلدنا اليوم من أزمات في تلك القضية لا يعدو سوى عاملٍ بشريٍّ، تلاعبت به أيادي السياسة وظروف البيئة، التي طالتها هي الأخرى وألاعيب العبث ونوازع الفوضى، التي شهدها كوكبنا الجميل برمته، والذي جعل فيه الخالق المبدع تعالى كل مقومات الحياة، حتى وإن بلغت نفوس البشرية أعدادًا مضاعفة مما موجود في الوقت الحالي.

وتعرف المياه بطبيعتها الأزلية بأنها مصدرٌ لا يفنى ولا يستحدث، ونسبتها ثابتة في كل ربوع الأرض، وتوزيع كميّاتها بالتساوي على كل أصقاع العالم مع اختلاف طرق الحصول عليها أو جريانها، بحسب طبوغرافية السطح والبيئة المناخيَّة في كل بقعة من العالم، بمشيئة خالقها العظيم سبحانه وتعالى، حتى عرف العراق بأنه بلد الرافدين النهرين الخالدين دجلة والفرات، اللذين تأثرا كثيرا بعوامل كثيرة، لا علاقة لها بالامور الطبيعيَّة أو الفنيَّة، لا سيما من مصادرها الموجودة لدى الجارة تركيا منذ سنوات عدة، كما قال ذلك وأكد وزير الموارد المائيَّة عون ذياب في حديث إعلامي اتصف بالصراحة والوضوح، حينما بيَّن أن قضية المياه مع تركيا هي سياسيَّة وليست فنيَّة، بعد أن ربطت الجارة ملف تزويد العراق بالمياه من منابعه في أراضيها بقضية تصدير العراق نفطه عبر موانئها، فضلا عن قضية حزب العمال الكردي المعارض لحكومة أنقرة، لكن الأمر الإيجابي في حديث الوزير هو الرأي الفني في تلك القضية، وهو حاجة العراق الفعليَّة إلى عشرات السدود لحصر المياه في وقت الوفرة، لإطلاقها عند وقت الندرة، وهو أمر لا بد منه، بعد أن توقفت مشاريع المياه لفترة ليست بالقصيرة، ما جعل كميات كبيرة من المياه تنساب هدرا إلى مصباتها في مياه شط العرب، ومنه إلى حوض الخليج العربي جنوبي العراق.

ومن جملة الحقائق التي تحدث عنها الوزير المختص بهذا القطاع الحيوي والخطير حديثه بموضوعيَّة ومهنيَّة في أهم ما جاء به، هو ربطه مطالب وزارته بتنفيذ مشاريع السدود، بتوقعات حدوث موسم فيضانات مطير وافر الخير في المستقبل المنظور، في وقتٍ استسهل فيه أعمال تنفيذ تلك السدود وقلّة مبالغ تكاليف تنفيذها على أرض الواقع، فضلا عن رؤية الوزارة لشكل خزانات المياه، لا سيما الوضع المريح لسد الموصل ودربندخان وجريان نهر الكارون وحاجته لعددٍ من السدود، لحصر المياه فيه وعملية إطلاقها بحسب الحاجة إليها.

وأصبح من المهم التأكيد على ضرورة توزيع مشاريع تلك السدود بين مناطق العراق المختلفة، ومنها جنوب العراق وغربه لحصر المياه، وتأمين كمياتها لتلك المناطق، باعتبارها أكثر مناطق البلاد استهدافًا للزراعة، وأشدّها حاجة للري وقيام المشاريع الاقتصادية الأخرى، التي تستند إلى المياه، باعتبارها مصدرا حيويا لكل النشاطات الإنسانيَّة.