الجمالية وخصائص الأشكال

ثقافة 2023/09/25
...

 خضير الزيدي 


سيكون لزاماً علينا ونحن نتطرق إلى فن الخزف العراقي أن نشير إلى أسماء تركت أثراً واسعاً في التأثير الفني والأسلوبي فما إن نتطرق لطاقة التلوين وطبيعة الأشكال وعمليات التكوين الجمالي إلا وسعد شاكر وشنيار عبد الله وماهر السامرائي وطارق إبراهيم وتركي حسين ونفر آخرون هم الأكثر ركيزة في ذاكرة هذا النوع الفني والذي ارتبطت فكرة تأسيسه منذ سالف العصور ضمن مرجعيات اجتماعية ودينية بالإضافة إلى الوظيفة التي يحملها الخزف ومنذ ذلك الوقت وهو نتاج طرائق متنوعة وأساليب تختلف من شخص لآخر. اعتمد فيه الرعيل الأول من الفنانين العراقيين وممن تلاهم بإعطاء أهمية واضحة المعالم لمثل هذا الفن وتعاملوا معه بحساسية ومستوى من الاهتمام، وتنافس الفنانون فيما بينهم لتأسيس فكرة جمالية تتسامى فيها الأفكار وتتنوع البحوث الشكلية واعتنوا بإجراءات ونظم وعناصر تسعى لإنتاج ايقاع جمالي خالص فتحقق على أيديهم نوع فني برز في الفترة الأخيرة كمنافس جمالي لعوالم الرسم والنحت وتبينت الصفات التعبيرية في هذا الفن ضمن معطيات إيحائية وأشكال مختلفة تتباين بين (المنتظم والبيضوي والحر ) مع التأكيد على القيمة التقنية واللونية لكل تلك التكوينات الخزفية وكانت معادلات الشكل والمحتوى التعبيري أكثر توازناً في كل تلك التجارب اعتماداً على القدرة العالية في المعالجات التي تغير من أنساق الشكل أو تتلاعب به وفقاً لرؤية تعبيرية أو جمالية وهذا ما لمسناه مع ماهر السامرائي حينما احاطت أعماله الخزفية بحروفيات وآيات قرآنية مزججة وخاصة تلك الدوائر التي تجسدت فيها هذه الثنائية فكان منجزه جمالياً بعيداً عن طاقة الخزف الوظيفية التي يحملها فالحروف البارزة والغائرة تعطي طبيعة شكلية تؤلف مع تراكيب ثانية وتفاصيل عمل مختزل تصوراً تعبيرياً يثير عبر السطح الكروي مقاربة مواضيع ذات طابع إسلامي مع أن معالجات وطرائق تلوينها المزجج توحي بالفعل الجمالي انه ينتزع بتعدد وتنوع الأشكال طاقة الخزف ضمن منطق إنتاج يقدم هذا الفن بارتقاء وحساسية يتحقق جراءها تكوين فني يلازم المتلقي وذاكرته ما يعزز من آرائنا في ما يذهب إليه ماهر السامرائي إنتاجه لكتلة معمارية كأنها بقايا قبة مسجد قديم اكتست باللون الفيروزي تنتهي تلك القبة بأعمدة سوداء صغيرة مع انتظام بين اللون والملمس والتمثيل التعبيري وهذا يدفع بالمتلقي ليعلن أن منجزات السامرائي إنما هي جزء من استلهام للموروث الإسلامي لكن ضمن حدود النزعة الحداثوية في الفن الحديث أما سعد شاكر فقد تحققت على يديه أعمال فنية لم تخرج من طابع الإثارة الجمالية بكل تلك الأحجام التي شكلها أمامنا فهي تذهب لحسابات حقل مرئي يتسامى فيه المحتوى الدلالي فلا شكل يتفرد بغرائبيته بل هو معادل وجداني وتعبيري يقدمه في تفصيل بنائي يثبت لنا هويته الأسلوبية وفقاً لإجراءات تكتمل فيها التوازنات البنائية ،فنان مثل سعد شاكر يتعامل بموقف حازم مع الخزف إذ يمثل له هذا النوع الفني حراكاً خاصاً ضمن معطيات ذهنية ورهان جمالي لكنه منشغل بالخطاب أكثر من انشغاله بوظيفة الخزف وهي إحالة تمنح الثقة باسمه لأنه يفضل مشروع الحداثة في الخزف مقال اكتشافات وظيفته بمعنى انه لم يصنع عملاً لحاجة تواكب الضرورة في إنجاز مثل هكذا بناء شكلي إنما يجعل قيمة الخزف طرائق لخطاب جمالي تعبيري تجرفنا ملامحه لثراء في الشكل وتعزيز في المحتوى ،وإذا أشرنا إلى الخزاف أكرم ناجي فسيكون لزاماً أن نعير لاسمه أهمية من التذكير فقد وجد في الفن مساحة من الاستثناء ليذهب بكل طاقته نحو إعلاء الفكرة وما يتعالق فيها من مديات ومنطق لترك الجمال في بنية الشكل واتذكر أنني قلت فيه ذات يوم بأن مخيلته لا تكف عن تزويدنا بتراكيب متنوعة فأصولها تلوح لنا بأنها رافدينية بالخصوص شرقية التكوين في عمومها وحيال هذه الجذور يكون طابعها التأملي معتزاً بمستوياته التعبيرية ووحداته العضوية وخاصة حينما تشكلت أعماله بصياغة فن هو أقرب للتجريد والملفت حتى في تجريداته التي تحمل الحروفيات بأنها تفصح عن خطاب بصري متخيل يغري المشاهد بهندسة التكوين وعلى هذا الأساس ستكون بصمته الأسلوبية نتاج وعي يعي أساسيات فن الخزف وما يتعذر فيه من صعوبة في طبيعة اشتغاله وما اريد قوله هنا إن الخزافين العراقيين ومن أجيال مختلفة حققوا منجزاً مهما وبات اشتغالهم المعرفي حاجة ماسة للجميع لما يحتويه من طرح وتوجيه وحساسية خالصة تتمثل في تعدد الأشكال والبحث عن نتائج اطروحاتهم .