علي حمود الحسن
فاتن حمامة الرقم عشرة في قائمة نساء السينما الملهمات، اللاتي ولعت بهن منذ الطفولة، وتشببت بهن في مراهقتي، الممثلة ذات الوجه الحزين والصوت المتهدج، لم "افوت" لها فيلما قط، على الرغم من قصص أفلامها الكئيبة، بنت المنصورة المولودة في العام 1931،اختارها محمد كريم طفلة مرحة في فيلم " يوم سعيد" (1939) فتنت الجميع بخفّة روحها وحضور جمالها، فكان فعلًا يومًا سعيدًا للسينما العربيَّة، بعدها مثلت في " رصاصة من القلب"(1944)، و"دنيا" في العام 1946، وهو التاريخ ذاته الذي دخلت فيه المعهد العالي للتمثيل، اختارها يوسف وهبي في أفلامه الميلودرامية الشهيرة ( " كرسي الاعتراف"، و" اليتيمتين"، و"ست البيت") وهي ابنة خمسة عشر .. أحبّها الجمهور العربي وتعاطف مع أدائها وهام بصوتها وتسريحة شعرها وطريقة لبسها، وعشقتها الأمهات قبل الأبناء، وزاد من ذلك طبيعية جمالها وملامحها المألوفة، فضلا عن نمط شخصية اختلفت فيه عن بنات جيلها، فهي الطيبة والعفيفة والمظلومة والمتزنة، فكانت مثلًا ترفض القبلة السينمائية، ما جعل الجمهور يومذاك ينظر لها بإكبار، على الرغم من قبلة عمر الشريف الساخنة في فيلم "صراع في الوادي" (1954) للمخرج يوسف شاهين، فأشهر عمره الشريف إسلامه وتزوجها حتى طلاقهما في العام 1973، هذه الانثيالات راودتني بعد قراءتي لكتاب "فاتن الحمامة سيدة الشاشة العربية " للناقد السينمائي البحريني حسن حداد، الصادر ضمن سلسلة كتب مدونته الالكترونية.
الكتاب الذي سلّط الضوء – إضافة إلى ما ذكرنا- على مجمل المسيرة المهنية والحياتية لنجمةٍ ظلّت متألقة حتى وفاتها في العام 2015، من خلال مقدمة بقلم الناقد عصام زكريا بعنوان :" حسن حداد.. قلب العاشق وعين الناقد" وخمس مراحل أولها " الطفولة والصبا والشباب"، والثانية عن المرحلة الرومانسية، التي جسدت حمامة فيها الفتاة العشرينيَّة الرومانسيَّة الحالمة، وأبرز أفلامها " سلو قلبي"، و"بين الاطلال"، و" أيامنا الحلوة"، بينما وصف حداد المرحلة الثالثة بـ" البكائيَّة الميلودرامية"، التي تميزت بالإسفاف وتهافت الأفلام التي مثلتها، مستدركا ظهورها في أفلام مهمة على شاكلة " لا وقت للحب"، "أنا لا أنام"، أما المرحلة الرابعة فتمحورت حول تأكيد نضجها الفني وتقديمها أفلامًا لامست الهموم المصريَّة، لا سيما النساء، فقدمت "أريد حلا"، و" إمبراطوريَّة ميم"، بعدها يختم بـ "مرحلة النضج الفني"، التي بدأت عند فاتن نهاية الخمسينيات وتميزت بوعي هذه الممثلة الذكيَّة لأهميَّة أدوارها، فانتقت سيناريوهات أفلامها بصرامة، وتعاملت مع مخرجين أظهروا أعظم ما فيها على شاكلة بركات ويوسف شاهين، وغيرهم من أهم أفلام هذه المرحلة "دعاء الكروان"، و" الحرام".