العالم يتغير.. وها هي الحرب العالمية الثالثة

آراء 2023/09/26
...

محمد صالح صدقيان

 يشهد المجتمع الدولي تطوراتٍ مهمةً بعد مرحلة «جائحة كورونا» وما تبعها من تداعيات للحرب الأوكرانيَّة التي يتفق عديد المراقبين بأنها أحد تداعيات الجائحة، التي بشرت بدخول الكوكب بمرحلة جديدة غير مسبوقة علی طول القرن الماضي. ولعل منطقة الشرق الأوسط كانت من أكثر المناطق تأثرا بما يحدث بسبب موقعها الجغرافي والسياسي والاقتصادي، ما جعلها تعيش علی رمالٍ متحركةٍ ساخنة.

في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانيَّة وما بعد جائحة كورونا دخل المجتمع الدولي في حربٍ عالمية، تختلف عن الحرب العالمية الأولی والثانية، وإنما حربٌ عالميَّة علی مقاسات الألفية الثالثة. لاجئون بسبب الحروب.. وآخرون بسبب الأوضاع الاقتصاديَّة.. وقسم ثالث بسبب الكوارث الطبيعيَّة الناجمة عن التغييرات المناخيَّة.. ورابع بسبب العنف السياسي والخامس بسبب الصراعات والحروب الأهلية، حتی وصل أعداد اللاجئين إلى أكثر من 120 مليون شخص.
مواصفات هذه الحرب.. أوضاع اقتصادية متأزمة بسبب سياسات الدول ذات الاقتصاديات المهيمنة علی العالم وآلياتها، التي تؤدي للتضخم والركود الاقتصادي والتجويع وتقليص الموارد.. جائحة وأوبئة اختلف فيها، وعليها العلماء بأسباب نشوئها وانتشارها؛ هل هي مختبريَّة أم طبيعية؟ ولقاحات ظهرت فجأة؛ هل هي لانقاذ البشر أم لإبادتهم وإذلالهم؟. وحروب هنا وهناك وأخری محتملة.. وتأزيم في هذه المنطقة وتوتر في
 أخری.
هذا هو العالم اليوم دون الدخول في مصاديق هذه التطورات لكن المجتمع الدولي وشعوب الكوكب تعيش هذه الأجواء. هل نحن في أجواء حرب عالميَّة؟ الإجابة بكل بساطة نعم؛ ولكن علی مقاسات هذا القرن وآلياته وتطور معلوماته ووسائل اتصاله وحربه الالكترونيَّة والسايبريَّة والجرثوميَّة.
علمتنا التجارب أن الحروب عادة ما تنتهي بتفاهماتٍ وتقسيم المغانم من قبل المنتصرين علی حساب الخاسرين؛ وغالبا ما تكون هذه المغانم هي الأرض وإعادة ترسيم الحدود علی أساس مواردها. هذا ما تمَّ بعد الحرب العالمية الأولی، وأيضًا الثانية وما انتهت إليه الحروب الإقليميَّة التي تنازع أصحابها علی أرض أو مياه أو موارد مختزنة؛ الأمر الذي يدعو للاعتقاد أن العالم يتغيير؛ وأن النظام العالمي الذي كان يحكم المجتمع الدولي، لم يعد قادرا علی معالجة التطورات والظروف الجديدة. حتی أن مجلس الأمن الدولي الذي أسس علی خلفية الحرب العالمية، والذي أخذ علی عاتقه الحفاظ علی الأمن والسلم العالميين، لم يعد الآن قادرًا علی إدارة اجتماعاته وضبط إيقاعات أعضائه الدائميين، الذين أنيطت بهم حماية السلم العالمي! وأن دول المجتمع الدولي لم تعد مهتمة بهذا المجلس، الذي ذهبت هيبته ولم تعد قراراته ترهب الآخرين، ولا أحد يعلم كيف ومتی وأين سيجتمع هذا المجلس بكامل أعضائه، ليدعم الأمن والسلام في العالم! هذا هو أحد أقوی آليات النظام العالمي السائد منذ ثماني عقود تقريبا. هل نحن أمام نظام عالمي جديد؟ مرة اخری يتفق الجميع للإجابة بنعم. لكن ما هي ملامح هذا النظام في جانبه الاقتصادي أم السياسي أو الأمني؟ كيف سيرتب أوراقه وقواعده؟ ومن هم لاعبوه؟ اعتقد من الصعب الاجابة علی هذه الاسئلة، لأنه يعتمد علی طبيعة وأفكار اللاعبين الجدد الذين يستعدون الدخول للملعب. لكن الأكيد العالم أمام متغيرات جديدة.
مناطق متعددة تقف علی أعتاب هذا النظام الجديد وتتطلع إليه.. في إفريقيا.. في الشرق الأوسط.. أمريكا الجنوبية.. حتی أوروبا التي تغيب شمسها تدريجيا لصالح مناطق واعدة في آسيا وإفريقيا. هذه المناطق تعيش ارهاصاتٍ ومتغيرات مهمة وستراتيجية سواء في السياسة أو الأمن أو الاقتصاد. لم يعد اجتماع جهانسبورغ في إفريقيا الجنوبية حدثًا عابرًا في هذا الوقت لدعم مجموعة بريكس؛ أو التلويح بتعدد القطبية؛ ومحاولة دعم العملات المحلية علی حساب العملات المهيمنة علی الاقتصاد العالمي طيلة العقود الماضية. دخول دول في منطقة الشرق الأوسط، كالسعودية والإمارات وإيران ومصر في هذه المجموعة التي تتزعمها «دول شريرة»، حسب التعبير الأمريكي، كالصين وروسيا حدث يجب ألا ينظر إليه نظرة استخفاف؛ كما أن خط الهند أوروبا يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار سياسيًّا وليس اقتصاديًّا؛ إلى جانب مبادرة «الحزام والطريق» الصينيَّة وآلياتها الاقتصاديَّة، التي تريد الانقضاض علی المحرمات التي اعتمد عليها النظام العالمي الحالي.
فعلًا العالم يتغير؛ والرابح من يستطيع الركوب في قطار التغير الذي يستعد كثيرون تجهيز أنفسهم للوصول إلى أهدافهم في التنمية والأمن والاستقرار.