علي العقباني
في معرضها المشترك الأخير بصالة الآرت هاوس في دمشق والذي حمل عنوان (ألوان) اختارت الفنانة الشابة آيات الزعبي أن يكون المكان عنواناً للوحاتها الـ 24 التي توزعت أركان المعرض، عمل بحثي ولوني مختلف حيث المكان الذي قد تكون رأيته أو مررت به وشكلت صورته في ذاكرتك ستجده هنا في لوحات آيات، مكان مختلف من حيث اللون والتشكيل والمعنى، إنّه المكان الذي شكلته ذاكرتها وأعادت صياغته بـكولاج تعبيري وانطباعي مختلف وفق ما خزنته ذاكرتها البصريَّة والحسيَّة، باختصار إنّه مكانها، فلا تدمر هي تدمر التي تعرفها ولا بيوت النبك والمنطقة الوسطى هي تلك البيوت والتشكيلات التي تتوقعها، ولا ذلك الامتداد الأخضر وسط البلاد هو ما نعرفه، هذا مكان آخر تأخذك إليه الألوان والتشكيلات والاقتراب والابتعاد، عمل بحثي يخص المكان واللون والإحساس بهما في علاقة غنية بالغة الخصوصيَّة والتميّز، بتقنيات تعكس ما وصلت اليه تجربة آيات وتجريبها التقني والتكويني بكولاج من ورق لوّنته الفنانة بما يناسب رؤيتها للمكان، خالقة تناغمات لونيَّة تشير الى روح المكان وبعض تفاصيله المعبرة عنه.
تنوّع آيات في أحجام لوحاتها بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة معتمدة طريقة الكولاج الورقي الملوّن بألوانها الخاصة والمتموضعة بطريقة خاصة على بياض اللوحة في محاولة لرصد العديد من الأماكن في الطبيعة السوريَّة الممتدّة من الصحراء حتى البحر، معتمدة في لوحاتها على تقديم موضوع المكان وانعكاساته من الذاكرة، مع إعادة معالجة الصور والألوان ليتم إنتاجها بطريقة فنيَّة على سطح اللوحة تعبر عن رؤيتها وبصمتها الخاصة، معتمدة تقنية كولاج الورق عبر لصق قصاصات ملوّنة صغيرة بأسلوب تعبيري مفعم بالحياة والإحساس والتناغم، ذلك ما تصنعه آيات باجتهاد وتجريب وبصمة مميزة وخاصة لفتت إليها الأنظار منذ معرضها الأول (دمشق) الذي استضافه غاليري مصطفى علي بدمشق القديمة وضم 14 عملاً بتقنيات الزيتي والحبر والكولاج بأحجام مختلفة للوحة، معتمدة على قصاصات من القماش وتحويلها لأشكال تملأ فضاء البياض بتنوع لوني خاص، ما خلق منها علاقة جميلة مع اللوحة وانسجام في المساحات اللونيَّة وتناغم وتقاطع الخطوط بتوزيع الكتل، والذي تمكنت فيه آيات من تحويل لقطات من دمشق القديمة إلى لوحات تجريديَّة خرجت فيها عن المألوف في تصوير المدينة بطريقة تحرّض الخيال، وتثير الأسئلة حول كيف نعيد المكان تشكيليَّاً بإحساس مختلف ورؤية مختلفة من خلال قصاصات ورق وأقمشة، وتتميز تجربة الزعبي في أنّها تعطي للوحة والمكان الذي تشكله نفساً جديداً بكيفيَّة توظيف الأقمشة الملوَّنة لبناء شكل جديد للوحة التشكيليَّة يعطي متعة للعين، موضحاً أن الزعبي حققت نقلة بالانتقال من منظر دمشق الواقعي وتحويله إلى شكل تجريدي يخلق رؤية جديدة لهذا المكان الجميل، وبمجرد اقترابك من اللوحة وابتعادك عنها سترى كائنات تشكيليَّة مختلفة من الحارات والبيوت والأزقة والأرواح.
نشأت الزعبي 1998 وتربَّت في بيتٍ يهوى أفراده الرسم، والفنون بتنوعها، لهذا وجدت موهبتها دعماً، من الأهل، أضافتْ إليه دراسة الفنون النسويَّة في المرحلة الثانويَّة، وفيها تعلّمت الكثير عن الأشغال اليدويَّة، ثم التحقت بكلية الفنون الجميلة «قسم الرسم والتصوير»، حيث أتقنت ما يتعلق بتقنيات الإكريليك والألوان الزيتيَّة والفحم، وهو الأمر الذي دفعها لتعلّم واستخدام تقنية الكولاج بعيداً عن الألوان والرسم بالريشة المعتاد، وبالاعتماد على الخامة الموجودة بين يديها أيّاً كانت «قصاصات جرائد، ورق، أشرطة، أقمشة»، وهذا ميّز المواضيع التي عملت عليها، كونه يحتاج دقةً للوصول إلى النتيجة المرجوة وتوضيح التكوين، وصولاً إلى تمام اللوحة وما تريده منها موضوعاً وشكلاً.
مشروع تخرّجها من كلية الفنون الجميلة رسمته آيات الزعبي وقدّمته بالألوان الزيتيَّة وبأسلوبٍ واقعي وعنونته «روتين» عام 2021، عرضت فيه يوميات أسرتها، وفي الإطار ذاته كانت لها عدة تجارب، من بينها لوحاتٌ مشغولة بالحبر، لكن رغبتها في التنويع وعدم الوقوف في نقطةٍ واحدة، دفعتها للتجريب بأساليب أخرى، جعلت من أعمالها محط أنظار النقاد والمهتمين نظراً لطريقة اشتغالها التقني والتشكيلي وكذلك لغزارة انتاجها وتنوعه وجمالياته وهي التي لا تتوقف عن العمل والتجريب والابتكار أينما كانت وبشكل متواصل.
من قصاصات صغيرة من القماش والورق وروح المغامرة والتجريب شكلت الفنانة التشكيليَّة آيات الزعبي مدينة دمشق في معرضها الأول بصورة تجريديَّة أحالت فيها حاراتها وجدرانها وسقوفها إلى تشكيلات لونيَّة دافئة تأخذ الناظر في جولة عبر اللوحة إلى زوايا أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، ولعمل ذلك كانت تنقّلت الزعبي بين منطقتي باب شرقي وباب توما، والتقطت صوراً لأماكن لا يقصدها الناس عادةً للمشي والتسلية، رسمتْ استناداً لها خمساً وثلاثين لوحةً بأسلوبٍ تجريدي، ومن كل هذا تحاول آيات تشكيل وبلورة تجربتها الفنيَّة وهي الفائزة في الجائزة الثانية في مسابقة البورتريه لإعادة التدوير في قلعة دمشق 2021، إلى جانب عملها المستمر في «اسكيتشات» وعمليات قابلة للتجريب والتشكيل والحياة.