إحسان العسكري
الفن التشكيلي بمفهومه العام عبارة عن كيان إبداعي مرتكز على أسس ذوقيَّة ومنهجيَّة ثابتة قابلة للتطوير والإبداع لكونه يعتمد على الصورة الثابتة والمجسم الجامد، وهذا ما يُميزه عن بقية الفنون المعتمدة على الكتابة والحركة والنطق والسمع وغيرها من مقومات الأعمال الفنيَّة. ونجد أعظم الاشتغالات الفنيَّة ذات الهوية التشكيليَّة عبارة عن حياة ناطقة متحرّكة رغم ثبات الصورة فإبداع الفنانين لايحدّهُ لون أو مادة بقدر ما يفتح له الخيال واسع أبوابه وطرقه. الحديث هنا عن طرق تحديث الأعمال الفنيَّة التشكيلية والدمج المثير للدهشة بين الرسم والنحت.
ونزار علي بدر هو الفنان الذي رسم الفقر والبساطة والمحنة ونقل فن "الببل آرت" لمجالات لم تكن في حسبان الفن التشكيلي أن تصلها وقلب معايير اللوحة السياسية، فسحبها من رسم الشخصيات السياسية إلى سياسة الشعب عبر توثيق معاناة الشعوب التي تقع تحت طائلة الحرب.. فبتشكيل الحصى وتعظيم الفكرة أخرج هذا الفنان السوري أعمالاً عظيمة تمثلت بتخليد الحضارات القديمة واستمرارية الحياة فجعل من مجموعة حصيات من الصافون عبارة عن لوحات ناطقة بما يجيش في صدر الأرض السورية من حزن ومحن وخاصة حينما يصور التهجير القسري والفقر والطفولة والويلات التي مرَّ بها الشعب السوري أبان الحرب التي لا تزال قائمة إلى الآن.
إنّ فن "الببل آت" كان منذ ظهوره وانتشاره معتمداً على الطبيعة وملتقطاً لصور الجمال الطبيعي والحياة البرية عبر دمج اللوحة المرسومة مع بعض المجسّمات الرمليّة والأعواد الخشبيّة لجعل اللوحة تأخذ أبعاداً معينة يريد الفنان إيصال فكرةٍ ما من خلالها إلا أن نزار علي غيّر نمطيّة هذه المدرسة واعتمد ثقته بنفسه وبإنسانية المجتمعات الرافضة للحروب واتخذ طريقه الخاص وأبدع ببراعة قليلة النظير يكاد ينفرد بها وحده لتغدو لوحاته حديث الإعلام والمهتمين والعامة، وهنا يكمن سر الإبداع حينما يصل للبسطاء من المتلقين ويبهر المختصين
والدارسين.
فن "الببل آرت" من الفنون ذات الفكرة الواسعة والمجال المحدود، إذ إن أدوات ومستلزمات العمل محددة لا تقبل الزيادة غالباً ويحتاج الفنان لمرحلتين أوليتين ومرحلتين أخيرتين ومرحلة نهائيَّة، فهو يفكر ويرسم في خياله ثمَّ ينقل فكرته إلى الواقع وعلى الأرض ويترجمها ثمَّ يشرع
بالعمل.
وبما أنّ الفنان يستخدم الحصى وهو من المواد الجامدة محدودة الألوان متعددة الأشكال هنا عليه أن يوجد أكثر من منفذ لفكرة ضيقة جداً. والملاحظ أنّه أبدع حيث صوّر الإنسان في حالة المعاناة وشكّل المحيط الإنساني واللوحات العامة أيضاً مستخدماً غالباً الخلفيّة السوداء للوحة ليوصل رسائله، فالمتابع لتلك الأعمال وطريقة الإخراج نادراً ما يجد ألواناً واضحة في خلفيات الأعمال، وكأنّه يريد أن يشير إلى ليلٍ طويل يعيشه شعبه، عدا بعض اللوحات كلوحة حمامة السلام مثلاً التي شكلها على إحدى شواطئ الساحل السوري والتي تم رفعها بتظاهرة لطلبة جامعة تورينو في إيطاليا تطالب العالم بالعمل على دفع عجلة السلام بدل
الحرب.
أسهم نزار علي بدر عبر أكثر من 30 عملاً فنيّاً في إيقاظ الضمير الإنساني العالمي بتصويره لمعاناة شعبه نتيجة الحرب والإرهاب، فقد صوّر محنة المرأة والطفولة والنزوح والجوع والتهجير والظلم، ونقل المعاناة الحيَّة عبر أعمال من الحجر كلوحة "النزوح السوري" التي فازت في مسابقة برنامج المواهب المشهور "آراب غوت تالنت" وفاز بإعجاب المختصّين بدراسة الفنون ومريديها فطالما صادفتنا لوحة من الحصى والحجر لا نعرف من مبدعها، وهي في الحقيقة لفنان الحجارة الناطقة العربي السوري
نزار علي بدر.