غازي فيصل
مدينة كركوك كانت ولم تزل موضع خلاف وجدل بشأن عرقية المدينة التاريخية الموغلةبالقدم، لأنها مزيج متجانس من قوميات وأثنيات والأقليات مختلفة من الأكراد والعرب والتركمان والآشوريين والكلدان والأرمن. عرفت منذ القدم بتجانسها المختلف لكن هذا التجانس طرأ عليه تغيرات منذ ثمانينيات القرن المنصرم، حيث قام النظام السابق بإجبار قسم من الأكراد والتركمان بالرحيل عن ديارهم وقراهم في مدينة كركوك كجزء من سياسة منظمة عرفت بسياسة التعريب التهجير القسري.
فالأكراد يرون كركوك جزءا من ما يطلقون عليه تسمية كردستان، التي حاول غزاة المنطقة عبر التاريخ بتدمير إماراتها المتعددة واحدة تلو الأخرى. حيث كانت كركوك عاصمة لإمارة شهرزور الكردية في القرن التاسع عشر، بغض النظر عن صحة هذه المزاعم التاريخية يصر الأكراد مؤخرا على تطبيق الفقرة 58 من قانون إدارة الدولة للمدة الانتقالية، الذي كتب في مارس 2004 والذي عدّ بمثابة الدستور المؤقت للحكومة العراقيَّة الانتقالية الذي تشكل عقب احتلال العراق في 2003م والإطاحة بنظام الطاغية،
تدعو المادة 58 إلى اتخاذ إجراءات لرفع الظلم، الذي نتج عن ممارسات النظام السابق بسبب سياسات التعريب و التهجير القسري، التي شهدتها بعض المناطق العراقيَّة ومن ضمنها مدينة كركوك،
أما التركمان فهم يدعون بان أجدادهم قدموا إلى العراق أثناء خلافة الأمويين العباسيين لحاجة الفتوحات الإسلامية لمقاتليهم الأشداء، ومنذ ذلك الوقت وعلى الخصوص أثناء حكم السلاجقة بدأ الاستيطان التركماني لمدينة كركوك، ولكن يعد المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني أن تركمان العراق جزء من جيش السلطان العثماني مراد الرابع، الذي احتل العراق بعد طرد الصفويين منها عام 1638م، حيث أبقى على بعض من جنوده بالعراق لحماية الطرق بين الولايات العثمانية، بينما يرى العرب أنهم المواطنون الأصليون لكركوك، ولا يمكن فصلهم عن الجسد العربي وإلحاقهم بإقليم كردستان تحت ظل إدارة كردية. وهم يقولون إنه كانت هناك عشيرتان رئيسيتان في منطقة كركوك، وهما عشيرة الجبور وعشيرة العبيد، حيث قدمت عشيرة الجبور إلى منطقة كركوك من سوريا في القرن السادس عشر مع السلطان العثماني مراد الرابع، الذي كافأهم على ولائهم للعثمانيين، بإعطائهم أراضي وقرى في الجنوب الغربي لمدينة كركوك، إضافة إلى مدينة تكريت. ومن العشائر العربية الأخرى التي استوطنت كركوك أثناء العهد الملكي في العراق، عشائر العبيد، حيث قدمت عشائر العبيد إلى كركوك من منطقة الموصل بعد خلافات مع عشائر أخرى في الموصل واستقروا في منطقة الحويجة عام 1935م أثناء حكومة ياسين الهاشمي.
ولكن من المؤسف شهدت مؤخرا مدينة كركوك المتآخية أحداثا دموية ذهب ضحيتها الأبرياء، كانت نتيجة مخططات داخلية وخارجية، تبقى كركوك مدينة للتآخي، بعيدة كل البعد عن الصراع الدائر حول السلطة والنفوذ والثروات بين القوى السياسيَّة المتنافسة على الساحة العراقيَّة، وكذلك ترك التمسك بسياسة النفوذ القومي التي رسخها النظام المباد في أذهان أبناء الشعب العراقي والتأكيد على المواطنة والولاء للوطن وليس للقومية، وهذا ما يصب في مصلحة جميع أبناء مدينة كركوك، ويحافظ على أرواحهم وثرواتهم، بدلا من الصراعات والحروب التي لا تجلب سوى الخراب والدمار.