سعد العبيدي
لا يحتاج الاعتقاد بإمكانية حصول حرائق مستقبلية، وفي عموم مناطق العراق على غرار حريق الحمدانيَّة المأساوي إلى متنبئ، أو قارئ كف، أو ساحر من العهد البابلي القديم، ولا يحتاج الكشف عن الأسباب، التي أدت إلى اندلاعه، ومقتل هذا العدد الهائل من الأبرياء في لحظات مأساوية اختلطت فيها مشاعر المسرة بالفجيعة إلى محقق نبيه ينتدبه الأمريكان أو الروس، فالأمر واضح وضوح الشمس، يعود الظاهر منه والمخفي إلى عدم تطبيق شروط السلامة، والسلامة في العراق مشكلة ثقافة لا يدرك أبعادها الغالب من الناس، ولم يلتزموا بشروطها حتى الماشين في الشوارع الفرعية والعامة، إذ تؤشر لنا وقائع الأحداث في سنة إنها ليست المرة الأولى التي يشب فيها حريق ويتسع لخطأ في التأسيسات الكهربائية، وليست المرة الأولى التي تزداد فيها الضحايا، بسبب عدم التقيد بحتمية وجود أبواب طوارئ في المباني والقاعات العامة، كمستلزمات لتأمين السلامة، أو غلق الموجود منها استهانة بموضوع السلامة، وتؤشر إلى أن موضوع السلامة في عقل المعنيين في الشؤون البلدية يكاد يكون غير موجود، أو أن الفساد قد أزال وجوده، وتؤشر بما لا يقبل الشك لو كانت هناك عدة أبواب لقاعة الحمدانيَّة، كما تقتضي السلامة لما داس الموجودون على بعضهم حتى الموت، ولو كانت هناك باب طوارئ نظامية مفتوحة كما تفرض السلامة لخف التدافع وقلت الضحايا، ولو كانت هناك منظومة اطفاء حريق سليمة وإشارات ضوئية بديلة كشرط من شروط السلامة لعملت على الفور وخففت انفعال الخوف والتدافع سبيلا لإنقاذ المئات من الموت والاصابة. إنها إجراءات لازمة يعرفها المهندسون والمعماريون وَيَدْرسونها، ويُدَرسونها في جميع المراحل، ويعرفها المقاولون بتكرار الخبرة والتجربة، ويدرك أهميتها أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال، ويتكلم عنا البسطاء وأصحاب المعالي، لكن تطبيقاتها تكاد تكون غير موجودة، بل ويستخف بوجودها في أحيان كثيرة... ثقافة لا يدرك المجتمع العراقي العام والسياسي ماهيتها، وبسبب عدم الادراك هذا سيبقى مجتمعنا على طول البلاد وعرضها معرضاً لمزيد من الحرائق والحوادث ذات الصلة بنقص السلامة.