كاظم لفتة جبر
يعبر مفهوم الجمال عن كل ما يوفر الراحة والسرور واللطف في نفس الإنسان، بعكس مفهوم العنف الذي يمثل سلوكا مؤذيا للإنسان جسمانيا ونفسيا. كما أنه يمثل اعتقادًا ونزوعًا بشريًّا للدفاع أو التعدي أو التملك.
يرتبط الجمال بالعنف من خلال الألم الذي يحدثه في كل نفس، ويخضع هذا الترابط لدوافع نفسيَّة، سواء كانت مرضية أو ترتبط بالإثارة واللذة أو التطهير بحسب ارسطو. لذلك كل عنف هو ذو معنى، الا عنف الطبيعة فيكون خللاً في النظام.
فالجمال راحة والعنف ألم، وترتبط الراحة مع الألم من خلال إشباع اللذات، والأهواء والرغبات، فكل رغبة غير محققة تصبح ألما في نفس الإنسان، وعند إشباعها تتولد الراحة، لذلك يلجأ أرسطو لوضع نظرية (الكاثرسيس) التطهير للنفس من خلال مشاهدتها للعنف والرغبات والقتل على خشبة المسرح قديماً، فينقل الرغبات من ظلمة اللاوعي إلى خشبة المسرح ليكون ظاهراً ومتحققا وتتطهر النفس من ادران انفعالاتها غير السوية. كما يرتبط الألم بالجمال من خلال الغاية، فعند المرض يكون الألم منبها للعلة من أجل الصّحة، وعند إجراء العمليات الصحيَّة يكون الألم مفتاحاً ومرحلة من مراحل التشافي، فكل ألم يدل على وجود الحياة، فغيابه يكون اما بموت الجسد، أو المشاعر والأحاسيس. فوجود الألم دليل على إمكانية التعافي.
ويرتبط مفهوم العنف مع الجمال من خلال المرض النفسي، إذ يجد المريض النفسي ضالته في استخدام العنف اتجاه الآخرين سواء كان جسدياً أو نفسياً حتى يشعر بالراحة. والعكس ممكن أيضا من خلال البعض الذين يميلون للعنف والتمتع به. فالعنف ظاهرة ليست شاذة عن دوافع الإنسان، بل هو جزء من حاجات ورغبات النفس المدفونة في صندوق اللاوعي.
فالعنف رغبة، وقد يصبح حاجة عندما يستلزم على الإنسان ذلك ، فخريطة اللاوعي تخضع لدوافع ورغبات، واذا أصبحت الدوافع جزءا من حياة الإنسان، أصبحت حاجات، فمثلما يكون هناك حاجة للإنسان للجمال، كذلك تصبح هناك حاجة للألم.
فالجمال والعنف مفهومان يخضعان لبيئة المجتمع وتمظهراته وعاداته وصيرورة الزمان والمكان، فما كان جميلاً قد يكون عنفاً في مجتمع آخر، والعكس ايضا ممكن، أو ما كان عنفاً وقبحا في زمن ما يكون جميلاً في زمان آخر، فالجمال والألم مفهومان يخضعان لمفهوم الصيرورة (التغيير) بلغة هيرقليطس، وهذه الصيرورة تتحكم بها طبيعة الإنسان والمجتمع. لذلك تخضع طبيعة هذه المفاهيم لعوامل منها: خارجية منها المجتمع، والدين، والاقتصاد، والسلطة السياسية، أو داخلية نفسية باطنية، وهذه العوامل الأولى تكمل معها الأخرى لتنتج لنا إنسانا سويا أو غير سوي جمالي.
فالعنف يتداخل مع الجمال أما أنّ يكون جزءاً منه، أو نداً له، ففي الفن يكون جزءاً من رسالة الفن الساميَّة ،لتخليص النفس من اهوائها ورغباتها، من خلال خلق عالم خيالي موازٍ لعالمنا على خشبة المسرح والتلفزيون والسينما، لكون مهمة الفن بحسب الكاتب والروائي الفرنسي (مارسيل بروست) بأنه خلق لعوالم غير متناهية، وما هذه العوالم إلا عوالم اللاوعي وناسها الرغبات. أما مع الدين فيكون على الأغلب نداً له في الجانب المادي، وجزءاً منه في الجانب الروحي. أما من الناحية السياسيَّة فتعتمد على أيديولوجيا السلطة أما أن تكون دينيَّة فترفض كل أشكال الجمال وتعنفه وتنفيه، أو مدنيّة تؤمن بالجمال كجزء من أجزاء المعرفة الإنسانيَّة والحضاريَّة. أما من الناحية الاقتصادية فتكون الثروة أساسا للبناء الجمالي وتقبله. أما مع المجتمع فيخضع الجمال للعادات والتقاليد التي يؤمنون بها.
أما من الناحية النفسيَّة فيعتمد بناؤها التذوقي بشكل عكسي للعوامل الخارجية، فما كان مرفوضا في الخارج، يكون مرغوبا بالداخل. وهذا سر التداخل بين الجمال والعنف. فالثقافة
الجماليَّة مهمة وأساسية لكل مجتمع يريد بناء ذاته والتقدم لوطنه. وعليه فكل مجتمع يرفض الجمال فهو مجتمع معاق ومقيد بقيود سلطة القبح والشر التي تستولي على الفرد والمجتمع.