بغداد: هدى العزاوي
بين مختصون في الشأن الاقتصادي والمالي، أنه على الرغم من حجم الكتلة النقدية الكبير الذي يصل إلى (83) تريليون دينار عراقي، إلا أن هناك شحا ملحوظا في السيولة النقدية من الدينار العراقي في الأسواق التجارية، موضحين أن ذلك يأتي لعدة أسباب في مقدمتها سوء إدارة الملف المالي في البلاد.
وقال أستاذ الاقتصاد السياسي، جليل اللامي، في حديث لـ"الصباح": إنه "على الرغم من امتلاك الحكومة العراقية كتلة نقدية كبيرة لا تقل عن (83) تريليون دينار عراقي، ولا يقل عن( 75 %) من هذه الكتلة في الأسواق التجارية، إلا أننا نجد نقصاً أو شحا كبيرا في الأسواق التجارية، وذلك بسبب سوء إدارة الملف المالي والنقدي في العراق".
وأشار إلى أنَّ "قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 خوّل البنك صلاحية رسم السياسة النقدية والمالية في العراق والعمل على المحافظة على قيمة الدينار العراقي، ولكن وجدنا اختفاء الكتلة النقدية من الأسواق التجارية، لكون الاقتصاد العراقي يعتمد على واردات تصدير النفط الخام والتي تكون بالدولار والتي يحتاج البنك المركزي العراقي إلى استبدالها بالدينار العراقي من أجل تغطية النفقات التشغيلية".
وبيّن، أنَّ "المصادر التقليدية التي يعتمد عليها البنك المركزي العراقي تتمثل بإيداع المصارف الحكومية ومصارف القطاع الخاص، وإيداع الدوائر والمؤسسات الحكومية ومبيعات نافذة بيع العملة والإصدار النقدي الجديد -إذا تطلب الأمر - والتي تقابلها النفقات التشغيلية".
وأوضح، أنَّ "حجم الكتلة النقدية الموجودة عند المواطنين تقدّر بنحو 35 تريليون دينار عراقي - ما يعادل 28 مليار دولار – وذلك نتيجة ضعف الثقة بالقطاع المصرفي، وتواضع الإجراءات التي تمكنّهم من الوصول إلى أموالهم في أي وقت من صرافات إلكترونية (ATM) وأنظمة صرف متطورة، بالإضافة إلى تكرار العطل الرسمية وزيادة الإجراءات الأمنية".
وأضاف اللامي، أنَّ "ما زاد من تعزيز قناعات عدم الثقة لدى العراقيين، حادثة انهيار قطاع المصارف في لبنان، لذلك على البنك المركزي العراقي العمل على تطبيق قانون البنك رقم 56 لسنة 2004 الذي جاء ليؤكد أهمية استقلالية البنك المركزي في تطبيق السياسة النقدية المناسبة لتحقيق أهدافه في المحافظة على قيمة العملة واستقرار الأسعار وخفض معدلات التضخم، وبما ينسجم مع إعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية".
من جانبه، يرى البروفيسور في الشأن الاقتصادي، جعفر علوش، في حديث لـ"الصباح"، أنَّ "مشكلة شح السيولة - إن وجدت - ترتبط بجملة من العوامل؛ منها افتقار الاقتصاد إلى المرونة النقدية في إدارة المال العام، أما المؤشرات النقدية الرسمية فإنها لا تشير إلى وجود شح في السيولة، لأنَّ معدلات السيولة مرتبطة بحجم الائتمان وبالتالي بعرض النقد الواسع(M2) ، فقد ارتفع عرض النقد إلى 176.647 تريليون دينار في نهاية شهر تموز 2023، مقابل ذلك ارتفعت العملة المصدرة (وهي جزء من عرض النقد) لنفس المدة إلى 99.769 تريليون دينار"، وأوضح أنَّ "المشكلة تكمن بأن الجزء الأكبر من العملة المصدرة هو لدى الجمهور الذي يستحوذ على 91.3 % من العملة المصدرة بحيث بلغ ما يزيد عن 90.070 تريليون دينار عراقي من تلك العملة خارج الجهاز المصرفي، ورغم أنَّ هذه الكتلة النقدية (الضخمة) تستخدم لأغراض المعاملات من قبل الجمهور ولممارسة نشاطه الاقتصادي اليومي؛ إلا أنها تكون خارج سيطرة السلطات النقدية".
ولفت إلى أنه "من زاوية أخرى نعلم أنَّ النفقات العامة هي التي تزيد من دوافع رفع حجم العملة المصدرة، إذ تشكل العملة المصدرة ما يقارب أو يزيد عن 75 % من حجم النفقات العامة، على اعتبار أن النفقات العامة هي العنصر الوحيد الخالق للطلب الكلي (الحكومي والخاص)، وعلى السلطات النقدية أن تغطي هذا الطلب من خلال الائتمان أو الإصدار النقدي لضعف الائتمان، خاصة الذي تقدمه المصارف الأهلية (التي يفوق عددها عن 71 مصرفاً تجارياً خاصاً)".
وبيّن علوش، أنَّ "تأخر تنفيذ الموازنة العامة، ألقى بظلاله السلبية على التوازن بين الطلب المحلي المتحقق وبين العرض النقدي (المصدر) وبالتالي يزيد من حجم ونسبة الأموال النقدية لدى الجمهور، وهنا قد تتضح مشكلة شح السيولة إذ تضعف النفقات الممولة من تلك الكتلة النقدية وبالتالي يتولد دافع حقيقي باتجاه الاحتفاظ بالنقود من الأفراد".
تحرير: محمد الأنصاري