د. بشار عليوي
يُعدُّ الفنان المسرحي العراقي رحيم ماجد (1951 - 2011) واحداً من أبرز المسرحيين العراقيين عطاءً لناحية تقديمهِ عشرات الأعمال المسرحيَّة كاتباً ومُخرجاً وممثلاً ومعلماً مسرحياً خلال سنوات حياتهِ داخل مدينتهِ “الديوانية” التي يُعد في صدارة مسرحييها.
كما تُحسب لهُ ريادته الثابتة لمسرح الشارع في العراق وليس لسعدي يونس كما هوَ شائع، وتحديداً حينما أسسَ “فرقة الفن الثوري” عام 1969 وعُرِفَ بتواصلهِ بتقديم تلكَ العروض منذ ذلك التأريخ حتى وفاتهِ كما أنهُ بدأ مشواره المسرحي بشكل مُبكر جداً من حياتهِ حينما كان تلميذاً في الدراسة الابتدائية وطالباً في متوسطة الديوانية للبنين, وحاصلاً على البكالوريوس من قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد عام 1976.
وبالنسبة لبدايات مسرح الشارع في العراق فإنَّ طقوس “مسرح التعزية” التي بدأ العراقيون بممارستها منذ القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا هي واحدة من بدايات مسرح الشارع في العراق، ولذلك يقول الدكتور كامل مصطفى الشبيبي في كتابه (الصلة بين التصوّف والتشيّع): “أصبح تقليد التعزية عرفاً عراقياً محلياً خالصاً” فطقوس التعزية هي مسرح عراقي محلّي مشى في درب عميق وتطوّر بفعل الإبداع العفوي والمغرض في الوقت نفسه... إنهُ طقس ذو فضاء مفتوح وفرجة ارتجالية تتجدد كل عام في الهواء الطلق، إذ تُعد التعازي الحُسينية من وجهة الباحثين المسرح المحلي الوحيد الذي أفرزهُ العالم الإسلامي بوصفها أكثر الأشكال تراجيدية في التقاليد الفرجوية الإسلامية, إذ لم ينحصر تقديم التعازي داخل فضاءات المساجد بل انتقل بشكل كامل إلى الشارع مما جعلها فُرجة مُميزة تتخذ من المُشاركة التي تُثيرها مع الجمهور صفة مُميزة لها بعد أن اكتسبت طابع الحدث الفرجوي, إذ إنَّ مكان العرض المسرحي في هذهِ الطقوس هو الساحات العامة والشوارع وساحات المساجد في جميع القرى والمدن وبخاصة مدينة كربلاء, ويدوم العرض فيها ساعات طويلة ومتتالية, ومسرح التعزية بوصفه من أشكال مسرح شارع يدعو للتحريض المباشر لما تتضمنه عروضه من محمولات فكرية كالتضحية في سبيل المعتقدات والدفاع عنها ونشر مبادئ الحق والعدل ومحاربة الظلم والدعوة إلى التصدي للطغيان والتفرد والجور من قبل الحُكام من خلال التأثير في الجمهور الذي يكون على احتكاك مباشر مع هذا المسرح ومشاركاً فيه ولذلك تم منع هذا المسرح في العراق لفترات طويلة, وفي العراق أيضاً, ثمة تسليات شعبية عامة كـ(الحكواتي) و(المحاكاة الهزلية) و(الإخباري) و(خيال الظل) و( صندوق الدنيا) و(الفاصل المضحك) كانت تُقدم في الأماكن العامة كالمقاهي والملاهي والشوارع, كما شهدت مدينة الموصل ظهور (التشخيصخانة) داخل مقاهي المدينة منها مقهى باباني, حيثُ كانت تقدم مشاهد تمثيلية فكاهية ساخرة في إحدى زوايا المقهى وقد جاءت التسمية نسبة إلى محل التشخيص وهو مكان التقديم, وفي سبعينيات القرن الماضي, ظهرت فرق مسرحية عديدة اهتمت بتقديم عروضها المسرحية، حيث يتواجد العمال والفلاحون, لكنَّ البداية الحقيقية لظهور عروض مسرح الشارع في العراق بشكلها المعروف, تمثلت بتجربة الفنان “رحيم ماجد” فهو رائد مسرح الشارع في العراق حينما أسس عام 1969 فرقة مسرحية دعاها بـ(فرقة الفن الثوري) تضم عدداً من زملائهِ الطلبة منهم (رياض الشبلي/ عدنان الزيادي/ سمير حميد/ مجيد حميد) وفقاً لما ذكرهُ الفنان “عبد الحسين صاحب” زميل رحيم ماجد, عبر مقالته الموسومة “مسرح المقهى.. مسرح الشارع, رحيم ماجد أنموذجاً” والمنشورة في ثقافية جريدة المدى بعددها 147 الصادر يوم الأحد 4/ 7/ 2004 , ص9 إذ أخذ “رحيم ماجد يُقدم عدداً من عروض مسرح الشارع في مدينة الدغارة (مدينة تابعة لمحافظة الديوانية العراقية) تحت مظلة شرطي المرور وسط الشارع الرئيس للمدينة،وهذهِ العروض سبقت عروض مسرح الشارع التي قدمها الفنان سعدي يونس ببغداد فالمُتابع لمُخرجات التوثيق المسرحي العراقي المواكب للنتاج المسرحي العراقي المُقدم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المُنصرم, يجد بوناً شاسعاً ما بين حجم هذا التوثيق وغزارة الرصد النقدي والمُتابعة الصحفية المواكب للنتاج المسرحي داخل العاصمة بغداد مُقارنةً بالنتاج المسرحي المُقدم في باقي مُدن العراق, وبالتالي عانى هذا النتاج من شح في الرصد النقدي والمُتابعة الصحفية المواكبة لهُ, فوحدهُ النتاج المسرحي ببغداد حظي بالقدر الأكبر من تسليط الضوء عليهِ إعلامياً ونقدياً عبر ما منشور عنهُ من نقودات ومتابعات وتغطيات صحفية ومنها عروض مسرح الشارع التي قدمها الفنان رحيم ماجد في الديوانية التي لها الريادة عراقياً في هذا المضمار, وبالتالي فإنَّ الريادة في مسرح الشارع في العراق تُحسب لرحيم ماجد وليس لسعدي يونس، فضلاً عن تواصله بتقديم تلكَ العروض منذ ذلك التأريخ حتى وفاتهِ كما يُعدّ من أبرز المسرحيين العراقيين الذين قدموا عروض (مسرح المقهى) في العراق كشكل من أشكال مسرح الشارع فقدم عدداً كبيراً من عروض مسرح الشارع خلال السبعينيات منها عرض (في صباح يوم الأحد) في مقهى “جندي” سابقاً وعرض (فلنسأل أحد المارة) و(رحلة العار) وعرض (القضية) في مقهى الحرية وسط مدينة الديوانية وعرض (كرسي ومحنة) مع الفنان رياض عبد العباس في أحد مقاهي الديوانية, كما قدمَ تجربة نوعية في الفضاءات العامة حينما مزج بين الفن التشكيلي والفن المسرحي عبر استخدامه في أحد العروض (معرضاً للرسم) ضمَّ 50 لوحة تشكيلية يتجول بداية المُتلقي بين رحابها قبل دخوله للعرض الذي نفذه في مقدمة قاعة الإعلام الداخلي في الديوانية, كما شهدت حديقة النساء وسط مدينة الحلة تقديم مسرحية (اللوكيميا) وهي من إخراجه وتمثيله عام 2000 بالإضافة إلى الممثلة “حياة فياض” والطفل “حسين الشباني”, وهذه المسرحية من إعداد الشاعر (علي الطرفي) ومن إنتاج لجنة المسرح العراقي وقدمت أيضاً في عدة مُدن منها السماوة وكربلاء والنجف والديوانية وفي ساحة كلية الفنون الجميلة وحديقة النساء في الحلة وفي مقهى الشابندر ببغداد.
الإحالات:
• عبد الحسين صاحب, مسرح الشارع, رحيم ماجد أنموذجاً”, جريدة المدى, ع147, الأحد 4/ 7/ 2004.
• بشار عليوي, مسرح الشارع حفريات المفهوم والوظيفة والنتاج, (عمان: دار الرضوان للنشر والتوزيع, 2015).