كفاح عبد الجبار.. تحقيق الرؤية الجماليَّة

ثقافة 2023/10/04
...

 خضير الزيدي

تتصف أعمال كفاح عبد الجبار بأنَّها اشتغالات (تعبيريَّة) تحمل من نزعة العقل ما يجعلها ذات سمة دراميَّة والغالب من رسوماته تتخذ من المرأة والقط والحمامة لعبة موضوعيَّة تحمل خطاب الفن على جعل الشعور في تحول دائم والغريب إنّه غير مقيّد بأيّة طروحات خارج البناء التعبيري وهو تحول نشهده كلما رأينا أعمالا جديدة لهذا الفنان المثابر، وأعتقد أنَّ ثنائية المرأة والقط تهبنا من ترجيح الاغتراب الإنساني ما يعرّض لوحته إلى أكثر من قراءة وتأويل، فأما أن يعد الخلاص والتفاقم بالإحساس اتجاه الاغتراب الروحي سيد المشهد، وأما هناك نظرة نجد أنفسنا قاصرين عن تأملها وإعطاء مساحة لفهمها فلا وجود لواقعيَّة من (تصور غرائبي) في الرسم ثمَّة عقل وخيال ورسومات شديدة التعقيد من حيث بناء الفكرة فهو لا يمثل لونًا واقعيًّا ولا يهيم بترك لمسات من التراث والانشغال بالمكان والهويَّة بل بدت حركة شخوصه في ثبات بما يجعلها أقرب للتأمل أو الانفصام وهي لعبة ممكنة في الرسم لأنَّ التزاوج بين الواقعي والتعبيري يقتلع اية رغبة صارمة في كشف مدلول اللوحة وقبول وجود معطيات ثقافية في متن العمل الفني سيعد ضربًا من إطلاق رؤى مختلفة تلقي علينا مسؤولية التأويل وفهم ما يريده كفاح من متن عمله التعبيري، ومع هذا تتبادل استعاراته الشكليَّة على حدود ثابتة وفقًا لرؤية واتجاه يسعى إليه، ولكن هل هذا المضي يكفي وحده من دون ايجاد حلقات من مثالية في الشكل والمحتوى؟، من يقترب من جزئيات عمله التعبيري ويلقي نظرة على مستويات التداخل البنائي لتشخيصيته سيجد مقاربة مع اشتغالات سابقة، ولكن الأمر هنا فيه اختلاف من حيث الفكرة والمغامرة فهو يضاعف من اختصار ما يرمز اليه ويريد قوله، وهذا الاختصار يأتي على شكل وحدات ترتبط في تكوين يخضع لحساسيّة الفنان وكيف يوازن بين أجزاء متناثرة ليجعل منها وحدة كلية ذات نزعة وخلفيَّة فكريَّة هذا هو الاختلاف الجوهري في قواعد ورسم ما ينجزه كفاح عبد الجبار، إنَّه ينثر متعة بصريَّة لذائقة خاصة لا تعرف المهادنة في كشف الجمال داخل منظومة الفن، وعلى نمط هذا الاعتقاد سنذهب الى أن الأشكال في رسوماته تتخطى لعبة التفكير خارج نظام وسياق قوة الرسم من دون جدوى، إنّها تقابل أحكامًا ذوقيَّة وتسحر رؤيتنا بما ينهمر منها من موضوعات وبحث إنساني، وهذا الأمر يحتاج لدراية أسلوبيَّة ينبغي التفرّد بها من دون الانتقاص من جوهرها ولهذا دائمًا ما نشير في الرسم الى موضوع حسّاس وهو الأسلوب وقدرته في التفرّد والخصوصيَّة، رسومات كفاح تجلب نزعة خالصة من التعبير ليس لأنّها تمتلك وحدات ورموزًا وإشارات بل لكون ما يذهب فيه الإيحاء الى قوة مظاهر الاغتراب في الذات الانسانيَّة هناك صعوبة نتلقاها حينما نذهب الى تبسيط فكرة اللوحة وهو خطأ نرتكبه دائمًا من دون أن نقدم تصورًا في التأمل وفهمًا لكيفيَّة التعامل مع عوامل البناء الداخلي، والأشد وقعًا أنَّنا نشرح العمل كأنّنا من كشف هواجس الفنان وخبرها في الحقيقة لا يوجد نظام شرح يخصُّ العمل الفني لأنَّ ما يستثمر في طروحات اللوحة يبقى عسيرًا عن تخطي واجهة إرادتنا في الفهم لماذا يحدث كل هذا؟، ببساطة لأنّنا لسنا من يرسم بل من يرى ويبحث عن المعنى، الفنان كفاح عبد الجبار يسحب المتلقي الى مناطق تكمن قوتها في الحقائق الذهنيَّة والحسيَّة وسينجح المتلقي الذكي بحلِّ شفرات ما يبتغيه الفنان من تكوين ووجود لهذه الثنائيَّة (المرأة القط/ المرأة الحمامة)، واستلاب بل وقطع من الجسد الآدمي والإطاحة بها في حضن تلك المرأة إنّها محاولات لسحبنا لمناطق نائية عن تفكيرنا.. لقد نجح هذا الفنان في رسم العديد من اللوحات التي تحمل سمات تعبيريَّة صادقة ووضعها أمام أعيننا، لوحات تحتكم لإرادة التحول في الأسلوب والتقنية وصرامة الموضوع، وهو يبدد كلّ رتابة في الرسم ليحيي بل ويحول العمل الى بنية بصريَّة لها الكثير من الاستثمار النفسي بما يكفي من أدلة وتشابهات بفعل الرموز والإشارات داخل العمل الفني، وهذا هو سر نجاح أي فنان يريد لاسمه البقاء طويلًا في ذاكرة المتلقي.