ريادة الترجمة العربيَّة بين الشديدي وجلال

ثقافة 2023/10/04
...

 وليد خالد الزيدي

ثمة أوجه تشابه كثيرة بين شيخ المترجمين العراقيين الراحل محمد كاظم سعد الدين الشديدي الذي توفي العام الماضي في بغداد، وشيخ المترجمين المصريين الراحل شوقي جلال الذي توفي قبل أيام في منزله بالقاهرة، فكلاهما بدأ رحلة الترجمة منتصف خمسينات القرن الماضي.  
الشديدي بدأ دراسته الاكاديمية في دار المعلمين العالية ببغداد عام 1953، والترجمة في مرحلة الدراسة الأولية فترجم أول كتاب (المدخل في الأدب العربي) للمستشرق الإنكليزي هاملتن جوب الذي تناول الأدب العربي منذ عام 500 للميلاد حتى تجاوزت أعماله المترجمة 100 عمل، وقام بتأليف عشرات الكتب، وكذلك بدأ شوقي جلال دراسته بجامعة القاهرة عام 1956، وباشر الترجمة في العام نفسه برواية (المسيح يصلب من جديد) للكاتب اليوناني كازانتزاكيس التي نالت شهرة واسعة حتى بلغت مترجماته 80 عملًا، وألَّف عدة كتب وتقاربت ظروف ميلادهما ورحيلهما الى حد بعيد حيث ولد محمد كاظم سعد الدين في بعقوبة عام 1932، وتوفي العام 2022 في حين ولد شوقي جلال عام، وتوفي يوم السبت من الأسبوع الماضي المصادف (17/ 9/ 2023) وبذلك تقاربت أعمارهما حيث بلغ الشديدي 90 عامًا، بينما بلغ جلال (92 عامًا، ولقب كلاهما بـ (شيخ المترجمين) في بلاده.
اتّسم عمل شيخ المترجمين العراقيين بتعلق وحب أدب الترجمة وتجلى لديه العمل خاصية متميزة وأعطى لمادتها نسغًا من الألق والفيوض الفكريَّة ونفحة من الشكل الجمالي المؤثر إذ أظهرها وكأنّها مقروءة بلغتها الأصل وهو ما تأثر به مترجمونا أغلبهم هذه الايام، وله سيرة إبداع وتميز كبيرين فقد نال شهادة بكالوريوس إنجليزي- فرنسي من دار المعلمين العالية بتقدير عالٍ، وتسلّم شهادته من يد الملك فيصل الثاني وعمل مدرسًا للغة الإنجليزية في العراق وفي مدينة جدة السعودية وأمضى 32 عامًا في وزارة المعارف (التربية حاليًّا) ورئيس تحرير مجلة التراث الشعبي الصادرة عن دار الشؤون الثقافيّة العامة وخبيرًا في مجلة الثقافة الأجنبية ومجلتي دراسات فلسفية ودراسات الترجمة الصادرتين عن بيت الحكمة.
وتميّزت أعمال شوقي جلال بالفكر وتأصيل العلاقة بالثقافة العلميَّة والمجال المعرفي ويعد من أبرز روّاد الفكر المصريين والعالم العربي وعضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة واتحاد الكُتَّاب المصريين واتحاد كُتَّاب روسيا وأفريقيا والمجلس الأعلى لمعهد الترجمة التابع لجامعة الدول العربية، وحصل جلال على ليسانس آداب قسم فلسفة وعلم نفس في جامعة القاهرة وتفرّغ بعدها لترجمة عدة أعمال منها (التنوير الآتي من الشرق) و(الإسلام والغرب) و(الأخلاق والسياسة) و(بنية الثورات العلمية) و(أفريقيا في عصر التحول الاجتماعي).  وتحتفل الأوساط الثقافيّة في الثلاثين من أيلول كل عام باليوم العالمي للترجمة الذي تأسس عام 1953 تزامنًا مع عيد القديس جيروم لترجمته الكتاب المقدّس ولا نبخس حقّ المترجمين العرب الآخرين في يومهم العالمي أمثال المصري الراحل محمد عناني مترجم (الفردوس المفقود) رائعة جون ميلتون ومسرحيات شكسبير (الملك لير، هنري الثامن، روميو وجولييت، وتاجر البندقية) والفلسطيني صالح علماني مترجم روايات (مئة عام من العزلة) و(ساعي بريد نيرودا) و(حصيلة الأيام) وسامي الدروبي وهو فيلسوف ومترجم سوري اشتهر بنقل روائع الأدب الروسي للعربية عن الفرنسية وأعمال الروائي فيودور دوستويفسكي والمفكر ليو تولستوي، وكذلك الشاعر السعودي أحمد العلي مترجم اعمال بول أوستر وجراهام سويفت وإيان مكيوان، والمترجم السوري خالد الجبيلي وترجماته (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل والرواية الشهيرة والمثيرة للجدل (لوليتا) لفلاديمير ناباكوف، و(قواعد العشق الأربعون) للتركية إليف شافاق وشيخ المترجمين اللبنانيين منير البعلبكي لأعمال (كوخ العم توم) و(البؤساء) و(أوليفر تويست) وصاحب موسوعة
المورد.