الذات الثقافيَّة الفاعلة

آراء 2023/10/08
...

وجدان عبد العزيز

لا شك هناك هم فكري يراود المثقف المهتم ببناء دولةٍ مدنيةٍ حديثة، مكان دولة متخلفة متهالكة، كما في دولتنا العراقية، وكيف أنها مرت متحملة رعونة القائد الأوحد المصاب بداء العظمة، فجاءت رياح التغيير بإزالة الدكتاتورية، وهنا نقف مشدوهين وسط انهيار دولة القائد الأوحد وما هو الاجراء الشجاع بتخطي مرحلة الدولة المتخلفة، وتأسيس دولة مدنية حضارية تستوعب إرهاصات المثقف الواعي للبناء والإعمار، حدثت فوضى عارمة، وهذا الشيء متوقع حسب مقتضيات الصراعات السياسيَّة، التي كانت نائمةً بقوة التعسف والجبروت الدكتاتوري الفرعوني، ثم جاء حكام سياسيون لا يفقهون من الحكم، الا الثأرية من كل شيء، حاملين معهم العقليَّة القبليَّة والطائفية، حيث أثبتت تجربة العشرين سنة الماضية أنهم لا يفقهون قيادة دولة والتفكير في بناء آيل للسقوط ومحاولة إصلاحه، انما بقوا في بودقة إشباع نهمهم الجائع للسلطة والكسب من ورائها، بالضبط مثلما فعلت الدكتاتورية بجعل أعوانها يتنعمون بخيرات السلطة، وترك بقية الشعب يتضور جوعًا خبزه الوحيد، هو الصبر والأمل باليوم الموعود في التغيير، وأمل إعادة تشكيل الدولة الحديثة، وخاب هذا الأمل، بمجيء حكّامنا بسبّة المحاصصة وتقاسم الغنائم بين الاحزاب ومحاولة ايقاف الذات الاجتماعيَّة الفاعلة، ليصبح حلم بناء الدولة شبه مستحيل مع كل دورة انتخابية جديدة، لإعادة انتخاب الأشخاص نفسهم بتغير بعض الوجوه الخاضعة لتلك الأحزاب الحاكمة، حتى كاد اليأس يدبُّ في الشخصيَّة المثقفة الواعية، لولا انبثاق انتفاضة تشرين الشبابية، التي جعلت روح البناء الحضارية تعود من جديد إلى الذات الثقافيَّة الفاعلة، وهنا لا بد من الوقوف المسؤول اجتماعيًّا وحضاريا، كي تستغل هذه الثورة وتوظيف أهدافها تربويًّا في اتجاه البناء والأعمار، كونها أخافت كل السياسيين وجعلتهم يفكرون جديا في التغيير، ومن ثم تصعيد وتائر التفاعلات الأخرى ومسار التغيير المنشود، فلا بد هنا من الالتفات إلى شريحة الشباب، وجعلها تعيش مرحلتها في التفاعلات التغييرية، وليس فقط تعيش مرحلتها العمرية والحرمانات تأكل فيها، كالبطالة والمخدرات والأفكار الطائفيَّة المقيتة، بل استثمار ثورة شباب تشرين وامتثالها في توزيع الثروة والمساواة، وفق مبدأ المواطنة وبناء مؤسسات الدولة واستحقاقات المواد الدستورية، وتحريك الوعي التغييري لمواد الدستور، استنادا لمصلحة بناء دولة المواطنة، وهذا الأمر يعتبر داخلا في دائرة الممكن، لا سيما إذا درسنا روح الرفض، التي جاءت بها ثورة الشباب التشرينيَّة، بمعنى استثمار الشباب في بناء الدولة المنشودة وفق المسار الديمقراطي الوطني، بمعنى استثمار الروح الثقافيَّة الفاعلة.. وبمعنى آخر استيعاب الشباب وجعلهم الأساس في عجلة التنمية المستدامة، لأنهم هم الطاقة المحرّكة بتجديد القدرة في الاعمار والبناء والتقدم، فمن المؤكد سينهض الشعب العراقي من جديد، وهذا النهوض مرهونٌ ببناء اقتصاد متعدد الموارد، حيث أثبت التاريخ أنه لكل مرحلة تاريخية قيادة واعية مثقفة مستثمرة سياسيًّا في قيادة الدولة وبنائها، وحساب مراحل هذا البناء من جانب وجهة الاقتصاد، فوجهة الاقتصاد الآن، هو تعدد مصادره والعراق أهلا لهذا التعدد، كونه بلدًا متعدد المصادر من ثروة معدنية إلى ثورة زراعيَّة وأخرى سياحيَّة وغيرها من الثروات الساندة، فلا بد من استثمار شريحة الشباب، كونهم المحور الأساسي في عجلة التنمية المستدامة، كي يرتقي بلدنا العراق بسواعد هؤلاء الشباب وعقولهم المتطلعة، نحو بناء المستقبل بقدراتهم المتحدية ومواجهة الصعاب في عملية التغير والبناء، لأن العراق مرَّ بمراحل معقدة ما قبل سقوط الدكتاتورية وما بعدها، كانت في الحقيقة طاردة للكفاءات وللشباب، ولم توضع خططٌ فعلية لاستيعابهم.. فما أحوجنا لهذا الأمر واستثمار روح انتفاضة تشرين الشبابية، والاستفادة من شبابية الشعب العراقي في خططنا المستقبلية في التنمية والبناء، وبكل تأكيد ستنهض دولة المواطنة، الدولة المدنية الحرة، التي لا ترتبط بتغير السلطة، كون السلطة متغيرة، والدولة من الثوابت في العمل الديمقراطي.