فلسطين امتحان ضميرنا

العراق 2023/10/08
...

أحمد عبد الحسين

لا أحد ـ سوى المتفائل حدّ الوهم ـ يظنّ أن الفلسطينيين ـ بإمكاناتهم البسيطة ـ سيتمكنون من تهديم إسرائيل على رؤوس المستوطنين ومحو هذا الكيان السرطانيّ الذي كان تلفيقه أكبر جرائم العالم "المتحضر" .
تلفيق "إسرائيل" واستمرار هذا التلفيق وجعله دولة كبرى ومحاولات تأبيده ضرورات غربيّة صُرفتْ في سبيل تحقيقها أموال ودماء وتجييش إعلامي  وثقافيّ ملحميّ منذ قرن كامل ونجح للأسف أيما نجاح، إلى الحدّ الذي بات فيه العرب بأغلبهم يجرّمون الفلسطينيين تارة بدعوى أنهم باعوا أرضهم وأخرى بتحميلهم جرائم قام بها أفراد فلسطينيون في دول عربية كلبنان والعراق، ولم يعد العالم يتصوّر خارطة الكرة الأرضية من دون إسرائيل، منذ أنْ أطلق البريطانيون هذه العبارة ـ العار: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" .
الحملة العسكرية التي قام بها مقاتلو فلسطين ضدّ جيش الاحتلال أمس ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لأنها كلّ ما يملكه اليائس الذي جرّب كلّ شيء. ما الذي بقي للفلسطينيّ ليفعله؟ المفاوضات؟ تفاوض الفلسطينيون مطوّلاً، ومع كل جولة من المفاوضات تُقضم أرض فلسطينية جديدة وتنشأ مستوطنات لوافدين جدد من اليهود.
ما من شعب كالشعب الفلسطينيّ أضيعت حقوقه ونُكّل به ومورس بحقه إذلال عالميّ وشوّهتْ هويته بقسوة إلى الحدّ الذي جعل العرب أنفسهم ينسون البديهيات التي تقول أن هناك احتلالاً وأن مجابهة الاحتلال حقّ شرعيّ. وحملات عسكرية كالجارية اليوم هي وحدها التي يمكن أن تصغي لها إسرائيل والعالم لمعرفة أن هناك شعباً في هذه الأرض التي أرادوها بلا شعب.
ما من نصر حاسم أمام هذه الآلة العسكرية الجهنمية، وإسرائيل ستردّ بقوة ولا إنسانية كعادتها وسيتفهم المتفهمون ويقلق القلقون ويشمت كثيرون من العرب ويلقون باللائمة على الفلسطيني الذي انتفض جسده ليثبت أنه حيّ.
اليوم نتيقّن مما كنا نعرفه منذ أكثر من ثمانين سنة: فلسطين أكبر امتحان لإنسانية الإنسان وضميره. لكنْ علينا قبل ذلك التأكد من وجود الضمير.