سعاد حسن الجوهري
المتتبع لكلمة العراق في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، التي القاها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يلمس بوضوح تبني العراق ستراتيجية التوازن في المرحلة القادمة، فضلا عن أنها طرحت ملفات البلاد سياسيًّا واقتصاديَّا وأمنيَّا واجتماعيَّا، اضافة إلى المنهاج الخدمي الحكومي تحت مجهر المجتمع الدولي بوضوح.
وفق هذه الرؤية أصبح المجتمع الدولي أكثر إدراكا بأن العراق يسير على خطى ومسار يسعى من خلاله، لأن يصبح مستقراً سياسياً وأمنياً وفاعلاً مهما في المنطقة، ودولة ذات سيادة حقيقية، تبني علاقاتها الدولية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤن الداخلية، ومراعاة قواعد حسن الجوار، وهو من أجل ذلك بصدد إعادة صياغة سياساته الخارجية مع الجميع وعلى الأصعدة كافة.
فالمجتمع الدولي استمع من منصة الأمم المتحدة إلى عزم الحكومة العراقية على أن تكون من أوليات مهامها التحرك بجدية نحو معالجة أزمات البلد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ووضع إطار متوازن لعلاقات العراق الإقليمية والدولية، والقيام بإجراء انتخابات محلية مرتقبة، فضلا عن تطبيق منهاج خدمي تبنته يأخذ بعين الاعتبار مهمة مكافحة الفساد المالي والإداري، الذي يعتمد على اللاعب الدولي، كشريك لردعه على وفق تجارب عالمية أثبتت جدواها في الكثير من التجارب الرائدة.
ومما لا شك فيه أن مراعاة التوازن الإقليمي والدولي واتخاذ الموقف الحيادي من الصراعات، يجب أن تمثل أحد أهم أركان السياسة الخارجيَّة للعراق في المرحلة المقبلة، ومن المهم جداً ألّا تسلك علاقات العراق الخارجية اتجاهًّا واحدا، من دون مراعاة للآخرين ومصالحهم ودورهم المؤثر في المنطقة، وأن يؤسس العراق لعلاقات خارجيَّة متوازنة تبقيه على مسافة واحدة من جميع دول المنطقة، وبخاصة تلك التي يمكنها أن تؤدي دوراً إيجابياً في المسارات المستقبلية للعراق.
المجتمع الدولي استمع إلى عزم الحكومة العراقية على مراعاة هكذا توازن مع الإيمان بأن المهمة ليست بالسهلة، بل وتعثرت أغلبية الحكومات العراقية السابقة في صياغتها وبلورتها، وحال العراق الذي عليه هو الآن خير دليل على تداعيات عدم مراعاة ذلك التوازن، وبرهان على أن احتكار علاقات العراق الخارجية لصالح طرف إقليمي محدد لم يرجع بالفائدة على الدولة العراقية، بل أثقل كاهلها وكبدها خسائر كبيرة، وتسبب في إيجاد حالة اللاستقرار السياسي في البلد، وفسح المجال لإعادة التدخل الدولي والإقليمي السلبي في قضايا العراق ذات الشأن الداخلي، وهذا ما تعتزم بغداد على معالجته وفق رؤية مشتركة مع محيطها الإقليمي والدولي.
اقتصاديا، شدد رئيس الوزراء على أن الحكومة العراقية ماضية بتجنب الأحادية في العلاقات الاقتصادية، من خلال تبني سياسة الإصلاح الاقتصادي للمرحلة القادمة، فهي إذن بحاجة ملحة إلى دعم اقليمي ودولي كبيرين في مجال الاستثمار، لا سيما في ما تتعلق بالبنية التحتية والطاقة، وبما أن الدولة تتجه إلى إبرام عقود دولية ذات مبالغ هائلة، فهي تجب أن تراعي التكلفة القليلة والجودة النوعية من جهة، وألّا تكون جميع هذه الصفقات المالية الكبيرة مع شركات دولة واحدة، مع مراعاة الديمومة والاستمرارية في المدى البعيد وتغليب المصلحة الوطنية على ما سواها من مصالح، مع الأخذ بنظر الاعتبار إعطاء الأولوية لدول الجوار، التي سوف تسهم من جانبها في زيادة حجم التبادل التجاري بين الدولتين، مع تبني اتخاذ المواقف الايجابية في الاستقرار السياسي الضروري والأساسي، لتكوين بيئة الاستثمار والتجارة الدولية.
خاتمة القول مثلت كلمة العراق أنموذجًا مختصرا استمع المجتمع الدولي إليها في دقائق معدودة عن مسار حكومي واعد، يعتمد خطةً للنهوض بواقع البلاد في مسارين داخلي وخارجي، بما يؤسس لمنهجية واضحة
المعالم.