لماذا استهدف داعش الإيزيديين؟

آراء 2023/10/09
...






 زهير كاظم عبود 


التطرف ليس السمة التي يتصف بها تنظيم داعش وحده دون غيره، وما يفرضه العصر والقوانين الجديدة لا تعدو إلا ذرًا للرماد في العيون، تجاه ثقافة الحقد والكراهية التي تتلبس عقول البعض، ومسايرة مع الأصوات الجديدة التي تنادي بحقوق الإنسان وحرية العقيدة، يمكن أن تستكين بعض التنظيمات المتطرفة فكريًّا ودينيًا، فتجعل جمرها تحت الرماد، ولم تزل ثقافة التكفير والاقصاء تأخذ لها مساحة كبيرة في مجتمعنا، وتلك الثقافة يرسخها ويغذيها العقل المتخلف والمتطرف المتبرقع بالدين ليتخذه وسيلة للعيش ومعابر للوصول إلى الغايات، التي غالبا ما يكتنفها التطرف والفهم الخاطئ لمفهوم الأديان، ولعل النكبات والفواجع التي مرت على المجتمع الإيزيدي يمكن ان توضح صورة هذا التطرف وهذه الكراهية الدفينة في قلوب المتطرفين، خصوصا من بعض المسلمين، وإذا أردنا أن نعرض صورا واضحة لتلك الفجائع والمجازر، التي تعرض لها الإيزيديون علينا أن نستعرض ما مر عليهم خلال فترة الحكم العثماني المتخلف والبغيض، من مجازر وأحداث تدمي القلب والضمير ضد الإيزيدية بالذات تحديدا. 

وبقي الإيزيديون يتعايشون مع تلك المحن والفواجع بثبات وجودهم ضمن المناطق التي تحددوا فيها والمكان المقدس الذي قيدهم دينيا، متحملين ليس فقط كل تلك المجازر والنوائب، بل تعداها إلى التهميش والاقصاء حتى من أبناء بلدهم وأخوتهم في القومية والوطن، وعلى مر تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها، لم يكن هناك اعتراف بهم كديانة شرق أوسطية عريقة وغارقة بالقدم، ولم يبحث عن تاريخهم وسيرتهم سوى الجانب السلبي، الذي يسيء لهم ويحط من مكانتهم، ويتم الافتراء عليهم حيث تتم مواجهة كل هذا التاريخ المليء بالدم والنكبات بالإصرار على السلام والدعوة إلى المحبة والتعايش مع بقية الأديان بمحبة واحترام وتبجيل وتآخٍ، ولم يذكر التاريخ الحديث والقديم قيام الإيزيدي بالتعدي على جيرانه وأهل الديانات الأخرى، واستمرالإيزيديون يتجاوزون محنتهم بغصة في الصدور وبصبر لا تتحمله الجبال، مع استمرارهم باقتدار وإيمان نابع من الروح بالتعلق بديانتهم وإصرارهم على أداء طقوسهم البسيطة بعد كل ذلك. 

واستبشر الإيزيديون خيرا بالتغيير الحاصل بعد العام 2003، واعتبروا ما ورد بديباجة الدستور العراقي ومجرد الإشارة اليهم فاتحة خير وبارقة أمل لمستقبل يجعلهم يرتقون إلى مصاف المواطنين من الدرجة الأولى مع أخوتهم المختلفين عنهم دينيًّا وقوميًا، وتعلقوا بهذا الأمل اكثر بعد أن تمَّ الإقرار باعتبار منطقة كردستان العراق إقليميا ضمن أقاليم الدولة الاتحاديَّة، بالرغم من أن مناطق عديدة من مناطقهم، بقيت في المنتصف، لا هم تابعون للحكومة الاتحاديَّة ولاهم تابعين لإقليم كردستان، وتلك حالة أضرّت بهم كثيرا وزادهم الضرر عدم تنفيذ موجبات المادة (140) من الدستور والخاصة بالمناطق المتنازع عليها أو المختلف على إدارتها، وبالرغم من فسحة الأمل والحرية النسبية التي تمتعوا بها في ظل الحكم الجديد، إلا أن الخشية من الغدر والطعن بالظهر وعودة الفجائع بقيت في قلوب شيوخهم وعجائزهم. 

وحين حل عام 2014 فوجئوا الإيزيدية بقطعان من الجراد البشري، متسلحين بالكراهية وشهوة القتل وعشق الموت والدم ومدججين بأنواع الأسلحة، تجتاح مدنهم وقراهم، وترتكب بحقهم أكبر جريمة من جرائم الإبادة الجماعية تحت أنظار المجتمع الدولي، وعجز تام عن أداء القوات المسلحة الاتحاديَّة والكردستانية عن أداء دورها المطلوب في الدفاع عن الأرض والعرض، وبقي الإيزيدي ذبيحًا أو سبيًا مسترقًّا أو هاربًا في الجبال والقفار، وتحت رحمة الطبيعة والصدف، والسيطرة على مدنهم وقراهم ومزارعهم كليا، وبنتيجة هذا الغزو الهمجي الممنهج، تم ذبح عشرات الآلاف من الرجال والنساء نحرا بسبب ديانتهم، واسترقاق الآلاف منهم أمام أنظار

 العالم. 

اختار داعش الإيزيدية دون غيرهم ترجمة واقعية لحالة الكراهية والحقد المتجذرة في عقل المتطرف الإسلامي، وهي حالة عامة لا يمثلها داعش لوحده، غير أن اختيار الإيزيدية مدخلا للاحتلال يأتي من زاوية تشتت المجتمع الإيزيدي وضعف قيادته الدينية وحالة الهوان والضعف التي يعاني منها، بالإضافة إلى تخلخل المجتمع الإيزيدي وتوزعه ضمن أحزاب كردية متناحرة ومختلفة، اعتبرتهم ورقة سياسية تتبارى في ما بينها بهم، كما أن وجودهم ضمن المناطق المتنازع عليها أضعف من قابليتهم لمسك زمام المبادرة، والعامل الأكثر أنهم كانوا يعتمدون في عمليات الدفاع عنهم على قوات البيشمركة والقوات المسلحة، إلا أن الطرفين خذلوهما فباتوا ليس لهم إلا بعض من شبابهم الفدائيين ممن شكلوا مجموعات مسلحة للدفاع عن مناطق وجود اهاليهم، وللقتال ضد الوجود الداعشي، وسجلوا بذلك مآثر بطولية ومواقف تدل على قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم وعن أهلهم في كل زمان ومكان، وعدم الاعتماد على غيرهم في مثل هذه الظروف، ولا يمكن أن يتم صرف النظر عن العامل الدولي، الذي وجدهم الأكثر ضعفا ومناطقهم مشتتة وهشة، ليتم تسهيل دخول داعش بيسر وسهولة عليهم، وإن بالإمكان تحويلهم إلى قرابين بشرية لإثبات قدرة التنظيمات الإرهابية على الوجود في تلك المنطقة، وفقا لمصالح السياسة الدولية، وأيضا انعكاسًا ما يضمره العقل الإجرامي المتطرف تجاه الإيزيدي من كراهية وحقد، فيتم تزويد الإرهابيين من حكومات وجهات معروفة بالأسلحة الفتاكة والظروف اللوجستية والوسائل التي تسهل عملياتهم وتنقلاتهم وايداعهم الأموال الهائلة في البنوك، وبالوقت نفسه يتم إرسال المعونات البائسة والبسيطة للإيزيديين المهجّرين والهائمين في المنطقة لإعانة المتبقين على البقاء على قيد الحياة، وذلك دفعًا لتلك المجاميع، التي هربت بجلودها وتركت بيوتها ومنازلها وتاريخها للهجرة إلى خارج العراق، وإبقاء الإيزيدي دوما تحت حالة الحذر المشوب بالخوف وتحت رحمة غادرين من الداخل، ودول مجاورة لم تعد أهدافها 

مخفية.

لم يوغل الإرهابيون من تنظيم داعش بوحل الجريمة والانحطاط الخلقي والنفسي أكثر مما فعلوه في مناطق الإيزيديين، وتلك حالة ينبغي الالتفات اليها، ونجحت ورقة تشتيت المجتمع الإيزيدي فوق حالة التمزق والتشتت، التي يعاني منها، والتي زادتها الأحزاب الكردية للأسف، وازدادت حالات الهجرة وترك البلد من قبل الإيزيدية، طلبا للأمان والسلام التي يوفرها المهجر ولم يوفرها لهم الوطن، وللهجرة الإيزيدية جوانب غاية في الضرر والسلبية تنعكس على مجتمعهم وديانتهم 

التوحيدية.