سلميو الويك إند!

العراق 2023/10/09
...

أحمد عبد الحسين



الموقف المتوقّع لكلّ إنسان سويّ أن يقف ضدّ الحرب. والأسباب بديهية، يأتي في مقدمتها أن حصاد كل قتال هو الدم والدموع، وأن الحرب ليست سوى مصنع كبير لإنتاج يتامى وأرامل ورضوض نفسية في صلب المجتمع. ثمّ إن الحرب لم تكن يوماً ما حلاً لمعضلة بل زيادة في عدد وحجم المعضلات.

لكني ـ لأسباب سأشرحها ـ غير ذي ثقة كبيرة بدعوات سلمية ولا عنفية تترى منذ أول أمس، أيْ منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" التي شنَّها الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال.

يقول المثل الإنكليزي المحقّ " Timing is everything" أيْ "التوقيت هو كلّ شيء". وتوقيت هذه الدعوات السلميّة في اليومين الماضيين متأخر، بل متأخر كثيراً. إذا أردنا الدقّة فهو في الحقيقة متأخر 75 عاماً بالتمام والكمال.

الحرب تُشنّ ضد الفلسطينيين منذ ذلك التاريخ، وهي حرب إبادة تتخللها قوانين فصل عنصريّ، والعالم يرى ويسمع. هناك أراضٍ تُستلب يومياً ورجال يقتلون وسجون تمتلئ ومزارع تُحرق وأشجار تقتلع من جذورها وأطفال تُكسّر أياديهم أمام الكاميرات وقنص للمدنيين بدم بارد وقتل للصحفيين، وهناك فوق ذلك كله وطن يُمحى تماماً ويحلّ بدلاً عنه وطن آخر بشعب مستورد.

هذه هي الحرب التي تأخر كثيرون في الوقوف ضدّها. لم يوقّتوا ساعات سلميَّتهم ولا عنفهم جيداً، ولذلك يبدو أنّ هذه السلمية لا تريد إنهاء الحرب فعلاً بل تريد استمرارها لكنْ من طرف واحد، هو الطرف الأقوى.

نظرياً، يمتلك سلميو العطلة الأسبوعية "السبت والأحد" الحقّ في ما يقولون ويكتبون، لكنهم عملياً متأخرون، والتأخير لا يبدو بريئاً. هناك ـ لحسن الحظ ـ فارق توقيت لا يكشف عن كسل صاحبه وعدم احترامه الوقت بل يكشف عن نوعية ضميره. وهناك ساعات يدٍ وساعات جدران مؤقّتة بالتوقيت العالميّ للأقوى والأكثر ظلماً وعنجهية.

سيوقف الفلسطينيون عمليتهم العسكرية، لكن الحرب لن تنتهي، هي مستمرة منذ 1948 من قبل كيان مدجَّج بأحدث الأسلحة وكانت تُشنّ دون هوادة في أوقات لم يكن للفلسطينيّ إلا الحجارة. الحرب قدر هذا الكيان الذي لم ولن يجد سلميين يقولون له أوقفْ حربك الأبدية. لأنّ بعض السلميين لا تبدو أصواتهم واضحة إلا في يومي الويكند السبت والأحد.

للدلالة على أبدية الحرب، قال الكونغرس الأميركي أمس للرئيس بايدن هذه الجملة المفزعة: "اجمعْ كلّ شيء يمكن أن يطلق النار، وارسله لأصدقائنا على متن كلّ شيء يمكن أن يطير.. وبسرعة".

بسرعة.. لأن التوقيت هو كلّ شيء!