أديب كمال الدين
كتاب الكون
كلُّ امرأةٍ عاشقةٍ نشرتْ قصيدةَ حُبِّها
في كتابِ الكون.
أمّا أنتِ فلم تنشري شيئاً.
اكتفيتِ بقطرةٍ من دمي عنواناً لقصيدتِكِ
وبموجةٍ من حروفي سُطوراً لها.
حبل مسموم
في حُلْمٍ أسْوَد مجنون،
عَصَبتِ عينيَّ
وربطتِ يديَّ
وأنزلتِني في البئر
مربوطاً بحبل
لكنّي كنتُ جريئاً فقطعتُ الحبل.
ولم أحسبْ أبداً
ما يُمكن أن يحدثَ لي،
فسقطتُ
واستمرَّ سقوطي في البئر
سبعين عاماً
رأيتُ فيها كلَّ كوابيسِ العالم.
حتّى إذا ما وصلتُ
إلى القاعِ المُظلمِ للبئر،
سقطتْ على وجهي وفمي
قطعةٌ من ذاكَ الحبل
فتذوّقتُها
فإذا هي قطعة حبلٍ مسموم.
ملاك غريب
أنتِ فجرّتِ نبعاً
ففرحتُ
وأجريتِ منهُ للحبَّ نهراً
فرقصتُ حدّ الجنون،
ثُمَّ عُدتِ فملأتِ النهر
بالأفاعي والعقاربِ والوحوش!
فارتبكتُ، ارتجفتُ حتّى صرختُ:
كيفَ لي أنْ أتعاملَ
معَ كلّ هذي الأفاعي والعقارب والوحوش
وأنا لا أعرفُ حتّى السباحة؟
لم تردّي عليَّ بأيّ حرف،
دموعُكِ ردّتْ وحدها كالمطر.
الآن،
بعدَ نصف قرنٍ
على هذا المشهد الخرافيّ
الذي لا يفارقُ القلبَ والروح،
أكتفي برسمِكِ لوحةً لملاكٍ غريب
يرقصُ وسطَ الأفاعي والعقاربِ والوحوش.
وكلّما ذبلتِ اللوحةُ أو سرُّها الطلسميّ
سارعتُ إلى وجنتيكِ
لأسقي اللوحةَ شيئاً من دموعِكِ
مَذهولاً دونَ ريب.
أخطّ قصائدي بدمي
قالَ لي حرفي:
هل علّمكَ الحبُّ
أن تطيرَ من دون جناحين؟
أو تمشي فوقَ الماء؟
قلتُ:
بل علّمني
أنْ أخطَّ قصائدي بدمي
على جدارِ العبثِ
ليلَ نهار.
صقر
خفتُ من حُبّكِ حينَ حَطَّ على قلبي
صقراً مُدهشاً.
خفتُ من نظراتهِ الحادّةِ المُضيئة
بما لا يُقال،
ومن مخالبهِ التي جرحتني
جُروحاً طوال.
فأبعدتُهُ سريعاً سريعاً.
كنتُ أحلمُ بحُبٍّ
على شكلِ بلبلٍ أو حمامة.
وإذ مرّتِ السنين
تركضُ ليلَ نهار،
ولم أرَ في غابةِ عمري
بلبلاً أو حمامة،
تمنّيتُ أن يعودَ صقرُكِ لي
رغمَ أنّ آثارَ جروحه لم تزلْ ظاهرة
فوقَ روحي وقلبي.
حُبّي
كلُّ قصائدِ العالمِ لا تكفي
لوصفِ لواعِج حُبّي،
حُبّي الذي طُورِدَ دونَ هوادة
منذُ الطفولة وحتّى النَّفَسِ الأخير.
إلى الأعالي
يُقالُ إنَّ طائرَ الحُبِّ طائرٌ مُلوّن
يطيرُ دائماً إلى الأعالي،
إلى الأعالي
حتّى لا يرى ظلَّ جناحيه على الأرض.
جنون ومجون
كلُّ الذين تحدّثوا عن الحُبِّ بِعُمق
كانوا مجانين.
لا أشكُّ في جنونِهم
ولا في مِجونِهم.
دُمْية
صنعتُ من وجهكِ دُمْيةً كبيرة،
ووضعتُها في حديقةِ قصيدتي القاحلة
حتّى تقف عليها الحروفُ التائهة
أو الجائعة
أو التي نسيتْ طعمَ الماء.
ناي حجريّ
في حلمي البارحة
رأيتُ ناياً قديماً مصنوعاً من الحجر
مَرميّاً على فراشي.
وحينَ سألتُ مُفسّرَ الأحلامِ العجوز،
قال: لا تقلقْ.
هذا ناي شاعرٍ مجنونٍ بالعشق
أو ناي مجنونٍ يعشقُ الشِّعر.
اذهبي إلى الجحيم
ساقاكِ جميلتان حدّ الجنون
وقطّتُكِ لا تكفُّ عن المواء.
سأقولُ لكِ:
اذهبي إلى الجحيمِ يا عزيزتي.
ثُمَّ أنحني أمامكِ مُقَهْقِهَاً
على مسرحِ العبثِ العظيم!