أثر فكرة القانون الطبيعي وقواعد العدالة في أحكام القاضي

آراء 2023/10/10
...








 فارس حامد عبد الكريم

اَمن الفلاسفة الإغريق عموما، بوجود نظام عقلاني للكون تحكمه قوانين تسير على نسق واحد، يمكن إدراكها بالبحث العقلاني، تتكشف لذوي العقول النيرة، وبأن هذه القوانين الأبدية الخالدة هي معيارُ صلاحية أو فساد أي فعل إنساني، ومنها القوانين الوضعيَّة والأحكام القضائيَّة والعلاقات الاجتماعيَّة.
وهذا النظام العقلاني للكون هو القانون الطبيعي، إن فكرة القانون الطبيعي نشأت لدى الإغريق في العصور القديمة، وكان العدل عندهم يعتبر من أهم المبادئ الأخلاقيَّة والدينيَّة، لذا كان ارتباط العدل بالقانون الطبيعي بارزًا عندهم بصورة جلية، واعتبر أرسطو فكرة العدل هي أساس القانون الطبيعي، ويطلب أرسطو من القاضي أن يكون منصفًا، وهذا يقتضي منه ألا يتمسك بحرفية القانون في جميع الأحوال، بل عليه من ناحية أن يراعي الظروف المتنوعة من حالة
لأخرى.
وأن يأخذ من ناحية أخرى بروح القانون وأنه عليه في حالة عدم وجود حكم تشريعي للحالة المعروضة، عليه أن يفصل في النزاع، ولا يتهرب من ذلك بحجة أنه لم يجد الحكم في مضمون القانون، والا فإنه يكون قد ارتكب جريمة إنكار العدالة.
 وعرف الرومان القانون الطبيعي بأنه قانون مطابق للعقل السليم متفق مع الطبيعة، ويعتبر القانون الطبيعي وفقا لهذه المعاني المعيار الأكثر شمولًا للقواعد القانونية، التي يتعين أن تسير عليها الجماعة، بحيث تنبثق منه المبادئ العامة والأساسية، مثل مبدأ حرية الإنسان، ومبدأ المساواة وحق الملكية والأمن ومقاومة التعسف.
معلوم للجميع ثابت على وجه الدوام، وفي العصور الحديثة أدخلت على فكرة القانون الطبيعي التقليدية العديد من التعديلات، بحيث تنأى عن التطرّف وتحتفظ في الوقت ذانه بدورها كموجه مثالي للمشرّع وللقاضي، ومفاد ذلك هو أن القانون الطبيعي، لا يضع قواعد وحلولًا تفصيليَّة لمشكلات العلاقات الاجتماعيَّة، بل يكتفي بوضع مجموعة محددة من المبادئ العامة الأساسية، التي لا تتغير في الزمان أو المكان.
اما بالنسبة لتحديد تلك المبادئ ذاتها فإنها تشمل مجموعة الأساسيات، التي يقتضيها العدل وسلامة الذوق.
ذلك أن فكرة القانون الطبيعي في العصر الحديث تضع مجرد موجه مرن هو أقرب إلى دعوة المشرّع إلى الإلتزام بحد أدني من المثل العليا في تنظيمه لشؤون المجتمع ولكنها لا تضع على عاتقه قيدًا تفصيليًّا محددا.
اما بالنسبة للقاضي فتأثيرها عليه أكثر عمقا، ذلك لأنه يلتجئ إليها عندما لا تمده مصادر القانون الأخرى بحل للنزاع المعروض عليه، ولذا درجت التشريعات الحديثة على الإحالة إلى قواعد القانون الطبيعي أو قواعد العدالة أو إلى المبادئ العامة في قانون الدولة أو إلى مبادئ القانون العامة، فحسب وحقيقة الأمر أن هذه العبارات جميعًا (القانون الطبيعي وقواعد العدالة والمبادئ العامة للقانون...) وكما تقول المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري، لا ترد القاضي إلى ضابط يقيني، وإنما هي تلزمه أن يجتهد برأيه، حتى يقطع عليه سبل النكول تقتضيه في اجتهاده هذا أن يصدر عن اعتبارات موضوعية عامة، لا عن تفكير ذاتي خاص، فتحيله إلى مبادئ أو قواعد كلية تنسبها تارة إلى القانون الطبيعي، وتارة إلى العدالة وتارة إلى المبادئ العامة للقانون.
وعلى ذلك تظل الإحالة على مبادئ القانون الطبيعي أو قواعد العدالة قائمة في نطاق التوجيه المثالي العام، وعلى ضوء ذلك فان القاضي حينما يرجع إلى مبادئ القانون الطبيعي أو قواعد العدالة أو مبادئ القانون، فإنه يقضي في ضوء اجتهاده، وهو يقوم باستخلاص المصلحة محل الحماية، وفقا لتلك التوجيهات المثالية، فإذا ما اكتشف هذه المصلحة وقدر أنها مصلحة عامة أو مصلحة خاصة، فإنه سيرتب على وقائع النزاع الأثر القانوني، الذي تقتضيه تلك الموجهات بالنسبة للحالة محل البحث، هذا بالنسبة لاستخلاص المعيار الذاتي وعناصره من مفترض القاعدة القانونية أو قواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي.