الطوفان وقواعد الاشتباك

قضايا عربية ودولية 2023/10/10
...

علي حسن الفواز

كشفت عملية " طوفان الأقصى" في غلاف مدينة غزة عن واقع جيوعسكري جديد في الأرض المحتلة، وعن شكل آخر للصراع في المنطقة، وعن صدمة تاريخية للغطرسة الإسرائيلية التي فشلت في التصدي لهذه العملية العسكرية التي نفذها الفلسطينيون، والتي ادّت إلى نتائج لم تتوقعها " العسكرتاريا الإسرائيلية" ومؤسساتها المخابراتية، إذ تلقت "إسرائيل" خسائر كبيرة، على مستوى قتل أعداد كبيرة من جنود وضباط وحداتها القتالية، وأسر أعداد أخرى، فضلاً عن خلخلة عميقة في البنية الاستيطانية لـ" الغيتوات" حول مدينة غزة الفسلطينية.
طبيعة المتغيرات التي أحدثتها هذه العملية العسكرية أثارت جدلاً في الداخل الإسرائيلي الذي يعاني من انقسام بين جنرالات الحرب، كما أثارت جدلاً في المواقف الدولية، إذ كشفت عن ازدواجية في المعايير، وفي ضعف المجتمع الدولي، وعدم قدرته على التعاطي مع تعقيداتها، ومع إمكانية الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني، ووضع حدٍّ لتغوّل "العنف الإسرائيلي" وفرضه كأمر واقع على الأرض، والاستمرار في حصار المدن الفلسطينية، وهو مادفع الفلسطينيين إلى تبنِّي سياسة "رد الفعل" ليس لمواجهة الأسرلة السياسية والأمنية والجغرافية فحسب، بل للتعبير عن حقهم بالوجود، ولإثارة الرأي العام العالمي والعربي حول قضيتهم التاريخية والإنسانية، ولعل ماحدث في اجتماع "مجلس الأمن" الأخير من مناقشات وحوارات حول "عملية الأقصى" فرضت فيها الولايات المتحدة طابع الصمت على الدول الأعضاء في المجلس، ومنعتهم من استصدار بيان صحفي أو حتى قرار يدعو إلى معالجة ستراتيجية للأزمة وإيقاف سياسة توسيع دائرة العنف، ومنع إسرائيل من استخدام العنف المُفرَط في قصف غزة وأحيائها وقتل المدنيين بدمٍ بارد، فضلاً عن التصريح العلني بدعم إسرائيل وتزويدها الفوري بالأسلحة، وتحريك حاملة الطائرات  جيرالد فورد إلى المنطقة كخيار للتصريح بفرض شعار القوة.
عملية "طوفان الأقصى" فرضت قواعد جديدة للاشتباك، مثلما فرضت على المؤسسة الإسرائيلية وحكومتها المتطرفة واقعاً من الصعب تجاوز حقائقه ومعادلاته، وربما سيكون مدعاة لدعوة العالم إلى التعاطي مع القضية الفلسطينية بوصفها قضية شعب، وليس قضية ذات بعد أمني أو جغرافي، وهذا ما يعني الخشية من التصعيد، ومن فتح جبهات جديدة في المنطقة قد تؤدي إلى عسكرتها، وإلى تهديد أمن مجتمعاتها ومصالحها.