علي محمد اليوسف
تعريف معنى مفردة العقل خارج مفهومي بيولوجيا العلم وخارج تعريف تاريخ الفلسفة الكلاسيكيَّة انتهاء بتعريف ديكارت أنَّ العقل ماهيته تفكير فهم العالم في إثبات الوجود الأنطولوجي الفردي والعقل جوهر خالد. كما أنَّ تعريفنا للعقل خارج إقرار ديفيد هيوم وجلبرت رايل أن لا وجود للعقل أبداً. والعقل مصطلح وهمي غير حقيقي حسب فلسفتهم. هنا المقصود به هو العقل الفلسفي الذي ورد بتعريف ديكارت أنه جوهر تجريدي لغوي يعبّر عن الأشياء ولا يقصد ديكارت بهذا التعريف العقل البيولوجي التابع للمخ والدماغ بل يقصد خطاب العقل المجرد باللغة.
أقول العقل هو الفاعلية التي تدير الحياة بكل تنوعاتها المختلفة في اللا تجانس والاختلاف والتنوع الذي ينحو بحياة الإنسان نحو التشتت والانهيار والفوضى في المسارات المختلفة. الحياة في مسارها التاريخي لا تخضع لضرورة ولا لحتمية ولا لمسار متصاعد نحو هدف دوماً. العقل جوهر وجود الإنسان الذي يعايش الطبيعة بتخارج معرفي ويفكر في ميتافيزيقا الوجود عن مصيره النهائي.
أما تعريفنا الحياة خارج واقعية المألوف أنها الفترة العمرية التي نحياها بكل إشكالياتها وصعوباتها وأحزانها وكوارثها. بخلاف هذا التعريف هي الاتجاه اللا منظور غير الواقعي المدرك الذي يأخذ الإنسان نحو قطع مسافة عمرية لا تعرف نتائجها ولا هي من صنع الإنسان الذي ينتظره الموت والفناء. الحياة هي البداية البطيئة في التقدم نحو الموت.
إنَّ من المهم التذكير أنَّ الطبيعة لا تصنع الحياة بانفصال تام عنها بل في تكامل متخارج معها. الطبيعة معطى لا يتحرك بقواه الذاتية والإنسان إرادة تحريكها, الحياة هي المجرى النهري الذي يسير على غير هدى قاطعاً طريقه بغير دراية منه ولا هدف مقصود, والإنسان قارب يتلاطم وسط أمواج ذلك النهر يصارع من أجل البقاء. الطبيعة خلقت حياة الإنسان ولم يخلق الإنسان الطبيعة. والطبيعة ثابتة بقوانينها وما عدا تلك القوانين الحاكمة فالطبيعة قابلة للتغيير والتطور وقطع مسافات الأهداف التقدمية.
أما المصطلح الثالث من عنونة هذا المقال في تعريفنا الفلسفة فهي اللا منطق وليس المنطق القريب من صرامة الرياضيات الذي يحتويه ميتافيزيقا الخيال المنفصل عن الواقع المادي للحياة في تعبير تجريد اللغة عن العالم والأشياء. الفلسفة فهم وتفسير العالم لا تغييره فهي تعيش إلى جانب الحياة في تواز يجعل منهما نسقين مختلفين غير متقاطعين.. الفلسفة توازي الحياة بسلبية ليس كمثل ملازمة الطبيعة للحياة في علاقة إيجابية لا غنى للإنسان عنها.
كيركجورد والوضوح الفلسفي
ورد في مذكرات كيركجورد التي كتبها عام 1835 “ما أحتاج إليه حقاً أن أكون واضحاً حول ما يجب أن أعمل وليس حول ما يجب أن أعرف إلا بقدر ما يجب أن تسبق المعرفة كل فعل... الشيء الأساس أن أجد الحقيقة التي هي لي, أن أجد الفكرة التي لأجلها أرغب أن أعيش وأموت “ 3
نجد في عبارة كيركجورد:
- الوضوح حول ما يجب فعله وليس ما يجب معرفته.
- المعرفة لا تسبق الفعل دوما, إذ أنت لا تحتاج إلى المعرفة دوماً قبل الفعل حسب تعبيره.
- البحث عن حقيقة وجود الإنسان لماذا يحيا ولماذا يموت؟.
الوضوح حول ما يجب فعله معناه أن تكون متوفراً على موضوع ناضج مكتمل في ذهنك يحتاج التنفيذ العملي فقط. أما أنَّ المعرفة لا تسبق الفعل فهو توكيد ورد في عبارة كيركجورد أنه غير حادث على الدوام. أراد كيركجورد اعتماد تراتبية معرفية تتراجع فيها نظرية المعرفة أمام أسبقية تنفيذ الفعل. ملغياً بذلك المقولة التداولية الفلسفية أنَّ النظرية المعرفية تسبق على الدوام بالضرورة كل فعل.
لقد أراد كيركجورد القيام بالعمل قبل المعرفة عنه وهو التباس خاطئ تداركه كيركجورد بقوله باستثناء مقدار ما يجب أن تسبق المعرفة كل فعل. بمعنى يوجد استثناء في مقولته هو أنَّ الفعل لا يتم قبل أسبقية المعرفة عنه.
أما مقولة كيركجورد بحثه عن حقيقة وجوده هو لماذا يحيا ولماذا يموت؟ فهو بذلك وضع اللبنة الأساسية للفلسفة الوجودية. التي من العبث الفلسفي البحث في واقعية حل مشكلة ميتافيزيقية لا زالت تشغل أذهــــــــــــــــــــــــــان العالم وتفكيرهم. لا العلم ولا الدين ولا الفلسفة وجد جواباً شافياً لهذا اللغز الوجودي العظيم. المشكلة لماذا خلقنا ولماذا نموت لا تنتهي بإيجاد حل وهمي يهم خلاص الفرد تاركاً المجموع والطوفان إذا ما كان ثمة خلاص للفرد دون مجتمعه أساسا..
الحياة لا تدخل في جدل ديالكتيكي مع الطبيعة على صعيد الكلية انعدام التجانسية غير الموجودة بينهما. بل يكون الجدل بينهما من نوع التكامل المعرفي التخارجي بدل الجدل بمفهومه الاصطراعي على صعيد المكونات المادية التي تحكمهما.
الطبيعة بقوانينها الثابتة التي تحكمها هي كلية متكاملة ناجزة مكتفية تماماً في نظام الوجود. لا تجد الطبيعة في مكوناتها المادية ما هو قابل للنفي نتيجة صراع افتراضي مع الحياة كوحدة تاريخية متطورة في سيرورة دائمة لها القابلية على دخول أي معترك تضاد يلغي منها أو يضيف لها في مقابل نفي جانب الصراع المتضاد معها.
كان ولا يزال أنثروبولوجيا تطور الحياة وعلاقتها بالطبيعة نوعاً من التكامل المعرفي الذي يستبطنه الجدل الذي يجمع منحى حياتياً أو أكثر من حيث التكوين المادي مع منحى طبيعي تجمعهما مجانسة التضاد التطوري..
الهوامش:
1. دكتور زكريا إبراهيم/ دراسات في الفلسفة المعاصرة ص 118
2. نفسه أعلاه
3. نقلاً من مقالة الباحث الفلسفي حاتم حميد محسن موقع المثقف.