أتمتة الإنسان

آراء 2023/10/11
...

 ميادة سفر


أدى الانتشار الكبير والمتسارع لتكنولوجيا المعلومات والثورة الرقمية إلى إحداث تحولات كبيرة وجذرية في مختلف مناحي الحياة، فقد أدت إلى إعادة بناء وتشكيل واستخدام نظم معلوماتية تسيطر عليها الآلة، وأصبح دور الإنسان مجرد ملقن لها، حين تمكن بكبسة زر على جهاز الكمبيوتر أن يجري مئات المعاملات، التي كانت تحتاج إلى أيامٍ وأسابيع وربما أشهر، هذا الواقع لا شك أنه وفر الكثير من الوقت والجهد، وقدم الخدمة بأقل تكلفة، وأكثر أماناً ودقة، إلا أنه سيؤدي من جانب آخر إلى الاستغناء عن أعداد من العاملين، الذين لم يعد لهم مكان في هذا الواقع التكنولوجي الجديد والمتجدد في كل ثانية تمرّ من حياة البشرية.

أدى هذا الواقع إلى تزايد مخاوف الموظفين والعاملين في المؤسسات والشركات والمعامل مع ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا وأتمتة المعلومات والبيانات، من أن يؤدي ذلك إلى إقصائهم عن عملهم والاستغناء عنهم وعن خدماتهم، في ظل الأزمات الاقتصاديَّة المتتالية لغير بلد في العالم، إلا أنّ عدداً من الخبراء المختصين والباحثين في هذا المجال وبناء على دراسات واستقراءات لمستقبل بيئة العمل، وجدوا أنّ هذه التطور الحاصل ودخول الآلة وأجهزة الكومبيوتر والبرمجيات، إلى سوق العمل لا يمكن أن يؤدي بحال من الأحوال إلى إقصاء أي كان عن عمله، لأن الآلة بحاجة إلى من يقوم بمراقبتها وتشغيلها ومتابعة أية مشكلات قد تطرأ عليها يمكن أن تؤثر في سير العملية الإنتاجية.

ثمة رأي مخالف لما سبق يرى أن التكنولوجيا دمرت كثيراً من الوظائف، وأنّ التطور والغزو الإلكتروني للعمل من شأنه أن يحيل أعداداً كبيرة من الموظفين إلى التقاعد المبكر، وبالتالي ازدياد البطالة (التي وصلت في أمريكا وبعض الدول الأوروبية إلى نسب مرتفعة)، وبحسب العالم البريطاني ستيفن هوكينغ فإن «عملية تحويل المصانع من العمالة البشريَّة إلى العمالة الأتوماتيكية ساهمت في تقليل الوظائف وفرص العمل في المصانع التقليديَّة».

لا يمكن الجزم بصحة أو دقة أي من الرأيين المشار إليهما، ولا يمكن منع العامل من القلق على مستقبله في ظل التطورات المتسارعة، غير أنّ الأكيد والذي لا مجال للشك فيه أنّ الثورة التقنية تركت آثارها على جميع جوانب حياة البشر ومن بينها العمل، وأنّ المستقبل سيكون لنوعية مختلفة من الأعمال والتخصصات والخبرات التي من المفيد الانتباه لها لكل راغب في البقاء في سوق العمل والإنتاج.

في ضفة أخرى لم يعد القلق مقتصراً اليوم على فرص العمل التي ضاعت أو هي معرضة للضياع من يد الإنسان، بل إنّ قلقاً آخر أضيف إلى حياتنا متمثلاً بأتمتة الإنسان وتحويله إلى شبه آلة، يمكن تسييره كما يشاء أصحاب رؤوس الأموال ومالكي المصانع والشركات، فأمام الكم الهائل من السلع الاستهلاكية لا يمكن لأي فرد الوقوف متفرجاً أو عاجزاً، بل سيعمل مثل الآلة للحصول على تلك المنتجات التي يستهلكها كما الآلة أيضاً، إنه زمن التكنولوجيا المتطورة، فإما أن يتمكن الإنسان من الحفاظ على كيانه وكينونته، وإلا لا فرق بينه وبين أية آلة أو جهاز تقني، وله 

الخيار!