محمد صالح صدقيان
في كل ما تم الحديث عنه بشأن «طوفان الأقصى»، يبقی عنصر «المفاجئة» و»المباغتة»، العنوان الأهم الذي امتازت به العملية، التي لم يشهدها تاريخ الاحتلال والتاريخ الفلسطيني وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي منذ العام 1948 وحتى الآن. هذا العنصر أزاح الستار وأظهر الكيان علی حقيقته؛ فلا «القبة الحديدية»، التي أوجعوا رؤوسنا بها؛ ولا الموساد ولا الشاباك ولا بيغاسوس صمد أمام الارادة التي تحلی بها المقاومون في السابع من اكتوبر 2023. هذا التاريخ سيبقی في الذاكرة السياسيَّة والأمنية، ولربما شكل منعطفا مهما ليس في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وإنما علی صعيد الشرق الأوسط الجديد.
إن الفشل الأمني والسياسي والعسكري الذي منيت به إسرائيل في «طوفان الأقصى» لم يعد خافيا علی أحد، وإنما أصبح حقيقة يتحدث بها جميع المراقبين في الداخل الإسرائيلي والإقليم والمستوی العالمي ايضا.
عدة سيناريوهات تطرح لمسار التطورات والأحداث ومآلات هذا المسار، وكيف ستواجه إسرائيل هذه التطورات؟ وكيف يمكن قراءة الأحداث؟ لأن الضربة التي تلقاها الكيان ليست عادية؛ كما أن الظروف التي تحيط بالإقليم والمجتمع الدولي ليست كما كانت سابقا؛ وبالتالي فان نتائج «طوفان الأقصى»، بالتاكيد ليست علی شاكلة الأحداث، التي كانت تشهدها القضية الفلسطينيَّة خلال السنوات السابقة وتحديدا قبل «جائحة كورونا» وقبل «الحرب الأوكرانية» إنها من نوع مختلف ينسجم مع إرهاصات النظام العالمي الجديد والشرق الأوسط الجديد، الذي تحدثنا عنه في مقال «من يصنع الشرق الأوسط الجديد» في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي.
تعمل الدوائر الإسرائيلية لتحريك الرأي العام العالمي، من خلال التركيز علی الجوانب الإنسانيَّة التي خلفها «طوفان الأقصى» لكنها تنسی أن هذا «الرأي العام» الان منشغل بقضايا أخری لا تشكل الدعاية الإسرائيلية أولوية بالنسبة له.
فاذا كان الرأي العام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا علی وجه العموم وأفريقيا وأمريكا الجنوبية لا يتأثر عموما بالماكنة الدعائية الإسرائيلية، فإن الحديث يتم عن الرأي العام في أوروبا وأمريكا.
هذه المنطقة عادة ما تتأثر بالمواقف الحكومية وآلية تحرك هذه المواقف اكثر مما تحركها مقالة صحفية أو إعلان تلفزيوني مدفوع الثمن.
الداخل الأمريكي يشهد «حربا أهلية» داخل الحزب الجمهوري ازاحت من خلالها رئيس الكونغرس؛ بينما رئيسهم السابق دونالد ترامب يجرجر في المحاكم؛ أما الديمقراطيون فإنهم يحاولون المسك بالبيت الأبيض، الذي لم يعد يتسع للعجوز جو بايدن؛ في حين يستعد المشهد الانتخابي برسم الملامح الاخيرة لدخول الموسم الانتخابي الذي لم يعد سهلا علی الحزبين العريقين.
الديقراطيون كانوا يخططون لترتيب أوراق الشرق الأوسط ووضع إسرائيل في مكانة تستطيع أن تكون ورقة رابحة بأيديهم في الانتخابات، لأنها مؤثرة علی موقف اللوبي اليهودي «الايباك».
«طوفان الأقصى» بعثر هذه الاوراق وأثّر في حركة التطبيع مع إسرائيل، كما انه فركش طريق «الهند – إسرائيل» البحري الذي أراده جو بايدن عربونا لإسرائيل وللايباك علی حد سواء.
واستنادا علی ذلك فإن الابتزاز التي تمرست به إسرائيل بمثل هذه الحالات هو الآن بأضعف حالات أو لنقل بأنه قليل الزخم والفعالية.
ناهيك أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تدخل حربا مفتوحة في الشرق الأوسط ولا تريد راهنا فتح عدة جبهات مع إسرائيل، لخطورة الوضع العسكري الذي يرسمه الخبراء لهذه المنطقة في حال فتح الساحات ووحدتها.
أوروبيا؛ فإن الوضع الاقتصادي والسياسي والامني متأثر بشكل كبير بتداعيات الحرب الأوكرانية.
ولعلَّ أوروبا حاليا أبعد ما تكون عن إسرائيل وعن الصراع العربي الإسرائيلي، لأن أولوياتها في هذه المرحلة هي أولويات أخری تتعلق بالاقتصاد والامن واللاجئين وما شاكل ذلك؛ فمن المستبعد أن تراهن أوروبا أو تريد الدخول في ازمة جديدة في الوقت الذي تعمل لاستيعاب تداعيات الأزمة الأوكرانية، خصوصا وهي علی اعتاب فصل
الشتاء.
إقيليما؛ وتحديدا علی صعيد الوضع داخل «محور المقاومة» داخل الاراضي الفلسطينيَّة المحتلة وخارجها؛ فإن المصادر تتحدث عن تنسيق باعلی مستوياته، وعن تخطيط يتم بعناية منذ أشهر لتنفيذ «طوفان الأقصى» شاركت به عدة دول وجميع فصائل المقاومة مع وضع خطط» AوB و C “، كما تقول هذه المصادر للتعاطي مع التطورات المحتملة.
إن إيصال معلومات لإسرائيل عبر الوسيط المصري في 7 اكتوبر بنية “حزب الله” دخول المستوطنات في الشمال الإسرائيلي يدخل في اطار الخطط المتخذة.
وأن تبني “حزب الله” في 8 اكتوبر الهجوم علی مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، هي رسالة تحذيرية واضحة لإسرائيل بما تريد أن تفعله في قطاع غزة، وفق سياسة “غزة ليست وحدها”.
إن هذه المصادر تتحدث عن رصد دقيق للتطورات المحلية والإقليمية والدولية قبل أن يتم “تقدير موقف” لاتخاذ اي قرار بشأن “وحدة الساحات” المطروحة علی الطاولة.
تبقی إيران وهي جزء من السيناريوهات التي يتم الحديث عنها، لأنها تقف وسط هذه الأحداث، حيث كتب موقع الحرس الثوري الإيراني يوم 7 اكتوبر “نحن قلنا سنأتي واليوم نحن هنا”؛ بينما يعتقد البعض دعوة المرشد الإيراني الإمام علي الخامنئي يوم 3 اكتوبر “عدم الرهان علی الحصان الخاسر” و “الصهيونية تحتضر” كلمة السر التي أعطاها للمقاومين بتنفيذ العملية أو أنه أراد تحفيز الأذهان، لما يريد أن يقع.
وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكن سارع في مساء 7 اكتوبر بالقول إنه لا يملك دليلا واضحا علی تورط إيران في “طوفان الأقصى” هذا التصريح كان واضحا منه عدم الرغبة بتوسيع رقعة المعارك، وجعلها تقتصر علی داخل الأراضي الفسلطينية في مقابل سعي إسرائيل توسيع رقعة الحرب بدخول الولايات المتحدة طرفا فيها وفقا إلی “خيار شمشون” التوراتي أي “عليّ وعلی أعدائي يارب” علی حد تعبير صديقنا العميد الياس فرحات.
إن فتح أي مواجهة مع إيران “لعب بالنار” لا يمكن اخمادها بسرعة لانها لن تكون نزهة؛ ومن المستبعد أن تقبل واشنطن مسايرة إسرائيل بهذه المواجهة، التي تشعل جميع المحاور والساحات؛ وهذا السيناريو مستبعد بسبب الوضع الداخلي الأمريكي.
الأرجح بكل ما تقدم أن تكتفي إسرائيل بضربات جوية لقطاع غزة لإعادة “ماء الوجه” تتحرك بعدها الوساطات الإقليمية والدولية؛ لكن الأكيد ان مرحلة ما بعد 7 اكتوبر ليس كما قبلها مع تغير بقواعد اللعبة وقواعد الاشتباك، التي تنسجم مع إرهاصات النظام العالمي الجديد والشرق الأوسط الجديد.