حيدر صبي
نحلل بعيدًا عما نحمله من عواطف اتجاه أخوتنا في فلسطين، إسرائيل اعلنتها حربًا مفتوحة دون سقف زمني تقف عنده، وحتى تحقيق ما ترغب تحقيقه من أهداف، وستكون طويلة الأمد، بعد أن قامت حماس بعملية غير مسبوقة نزلت كالصاعقة على الإسرائيليين السبت الماضي، الذي تحول عند نهاية الاحتفال بعيد العرش إلى سبت أسود، فقدت فيه إسرائيل المئات من مواطنيها وجنودها، فقد ازفت الساعة وانشقت حجب السماء عند الساعة السادسة صباحا بتوقيت الأرض المحتلة، ليؤذن سلاح حماس بطوفان الاقصى.
بتقديرات الربح والخسارة فإن حماس انتصرت تكتيكيا على المدى القصير، غير أنها وعلى المدى البعيد ستتكبد الخسارة الفادحة، فحماس بقتلها لأكثر من 300 إسرائيلي وهي حصيلة غير نهائية اذ يتوقع عدد القتلى سيتجاوز الـ500 بأقل تقدير وهناك اكثر من 1500 جريج وقرابة الـ 53 أسيرًا إسرائيليا يقال إن من بينهم قيادات أمنية عليا، بينما فصائل القسام أكدت أن لديها ضعف العدد، بينما التقديرات الاولية لعدد القتلى الفلسطينيين ناهزت الـ 2000 قتيل واكثر من 1700 جريح.
الجهة التي خططت لتلك العملية من الواضح أنها لم تل لحياة الفلسطيني الفزاوي اي اهتمام قدر اهتمامها بتجذير وجودها كقوة مقاومة على الأرض تحاول زيادة قبضتها على حياة الغزاويين، وتظل مصدر قلق دائم لإسرائيل.
من الواضح أن العملية كان مخططا لها منذ أشهر، وأن هناك قيادات إسرائيلية ربما تكون قد غضّت الطرف ان لم نقل تعاونت مع حماس، حيث هكذا اختراق لا يمكن أن يتم وبالكيفية هذه إلى عمق بالغ، ودون إنذار مبكر، مع أن عناصر حماس قطعت عشرات الكيلومترات في الداخل الإسرائيلي ليسيطروا على اكثر من 17 موقعا إسرائيليا على طول الحدود مع غزة، وهنا لا بد وأن نذكر بحديث فايز ابو شمالة، الذي بث قبل أشهر في إحدى القنوات الفضائية من أن المقاومة الفلسطينيَّة تخطط تحت الأرض لاحتلال مستوطنات، وبعملية تباغت بها إسرائيل, فهلا نصدق أن حديث أبو شمالة مرّ على الإسرائيليين مرور الكرام ودون أن تراجعه وتضعه على طاولة الممكن في النقاش؟.
وفق نظريات العلوم العسكرية والسياسيَّة نجد أن الرابح الوحيد من هذا الصراع ستكون إيران فقط، فهي من الناحية العسكرية اختبرت عن طريق حماس المستوى الاستخباراتي الإسرائيلي، وقوة الردع اثناء الصدمة هذا غير أنها حصلت على معلومات عن نوعية السلاح الإسرائيلي، وكم المعلومات التي ستحصل عليها من قبل الجنود الإسرائيليين، وإيران ربحت سياسياً من نجاحها في هز صورة ومكانة وقوة إسرائيل بعيون العالم، خصوصا والعرب منهم وخسرت ثقة مواطنيها بقدرتها على حمايتهم وهذه الضربة القسوى لإسرائيل كانت.
ما يبدو إيران كانت المحرك والمخطط لهذه العملية، وهي الداعم مع أن البيت أكد أنه لم تتوفر لديه معلومات بتورط إيران بعملية حماس، ايضا هناك محرك عير مرئي غير أنه دائما وأبدا حاضر وبكل قوة مع أي حدث، تكون أحد اطرافه حركة حماس، انها دولة قطر.
نجحت إيران برسم حماس في توريط إسرائيل بحرب وأصر انها ستكون شاملة وطويلة، وهي إن كان النصر بنهاية المطاف حليف إسرائيل، غير أن إيران حينها كسبت مزيدا من الوقت لتحافظ على منشآتها النووية دونما تدمير يطولها بسلاح الجو الفضائي الإسرائيلي، خصوصا بعد تلقيها رسالة من إسرائيل بالأمس مفادها بأن منشآتكم النووية، لم تعد بأمان بعد مناورات للإسرائيليين اقاموها مع دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، والتي كان فيها محاكاة لضرب مفاعلات نووية إيرانية، واما دولة قطر فهي وإن كانت تعمل خلف الزجاج المظلل، إلا أنها سعت هي الاخرى لتأجيج هذا الصراع لا كرها بإسرائيل، بل لأنها لا ترغب بتقارب إسرائيل مع المملكة العربية السعودية، لأجل أن تبقى هي الوحيدة الممسكة بخيوط اللعبة الإسرائيلية مع حماس، فتطبيع المملكة مع اليهود سيقوّض من أهمية مكانتها، وستتراجع إلى ما بعد المملكة، وهذا ما لا تحبذ قطر الوصول إليه.
لا نتوقع عملية برية إسرائيلية في الوقت الحاضر، وقبل ان تقوم إسرائيل باسترداد المستوطنات وهي مسألة وقت بحد اقصى 48 ساعة، ومن ثم بعدها ستضع بنكاً للأهداف داخل غزة، وهي فعلا بدأتها بتدمير برج فلسطين التجاري داخل غزة، على أن صواريخ حماس ستزداد وتيرتها، وربما ستستخدم نوعية صواريخ متطورة لم تضعها إسرائيل بالحسبان.
تبقى حدود إسرائيل الشمالية قلقة ولا نستبعد أن يتدخل حزب الله في المعركة (ان كان لحزب الله دور رسمته لها إيران في هذا الصراع)، على أننا رصدنا ردا إسرائيليا على عناصر قيل عنها من حزب الله تعاملت معها القوة الإسرائيلية دون تفاصيل اكثر، مع أن البيت الابيض قد حذّر حزب الله من فتح الجبهة الشمالية مع إسرائيل، ونجد أنهم سيأخذون التحذير هذا محمل الجد، ايضا فإسرائيل متخوفة من تحريك جبهة الجولان واستعداد الفصائل الإيرانية المتواجدة هناك، لتدخل هي الأخرى كطرف في المعركة الدائرة حاليا، وهذا أيضا خيار غير مستبعد، خصوصا وإيران اشعرت جميع فصائلها العسكرية بضرورة الاستعداد للمعركة.
نعتقد أن الاسرى الإسرائيليين سيشكلون رأس الرمح لكل من حماس والقسام والجهاد وغيرها، لتثني إسرائيل من شن عمليات برية واسعة، وستتفاوض معها للحيلولة دون ذلك، لكن مع هذا فإن وجه مدينة غزة قبل العملية، ليس كما هو بعده، وأن المدينة ستعيش بعد أن تضع الحرب أوزارها بزمن مشابه لأزمان القرون الوسطى، وهكذا هي رغبة إسرائيل
الآن. المجتمع الدولي بقيادة أمريكا سيقف إلى جانب إسرائيل، وسيمدها بما تحتاجه من سلاح وأي دعم لوجستي دون تردد، وهذا ما لمسناه من موقف أمريكي اثر محادثة بايدن لنتنياهو، وكذلك موقف بريطانيا ودول الاتحاد الاوربي، وأما مواقف الدول العربية ستظل كما عهدناها مواقف خجولة، تندد بفتور وتدعو للتهدئة وايقاف الحرب لاغير فيما ستهرق الدماء.