هجوم حماس يُثير أسئلة بشأن فشل المخابرات {الإسرائيليَّة}
جوليان بارنيز وديفيد سانجر
وإيريك شمدت
ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
يقول مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون إنَّ الهجوم المدمّر المباغت الذي شنّته حماس يوم السبت الماضي يمثل فشلاً استخبارياً صاعقاً من جانب إسرائيل يشمل عدم التنبه للخطر وخيبة الدفاعات الصاروخية وبطء استجابة القوات العسكريَّة.
يقول المسؤولون الأميركيون إنَّ حماس قد نجحت في تحقيق مباغتة تكتيكية كاملة انعكست آثارها على أعداد القتلى الإسرائيليين الذين تجاوز عددهم 700 قتيل. فالجماعة الفلسطينية قد تمكنت من الزجّ بالمئات من مقاتليها عبر خروق في الأسوار، أحدثوها بالبلدوزرات، ثم انطلق هؤلاء المقاتلون في موجة إطلاق نار طالت المستوطنين والجنود استمرت ساعات.
يرى مسؤول دفاع إسرائيلي ومسؤولون أميركيون كذلك أنَّ أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد فشلت في التقاط أدنى إشارة تنبئ بأنَّ حماس كانت في طور الإعداد لهجوم معقد يقتضي التنسيق بين ضربات من البر والجو والبحر معاً. هذا الهجوم فاجأ العديد من وكالات الاستخبارات الغربية أيضاً، بيد أنَّ هذه الوكالات لا تبذل من الشدة والتركيز في مراقبة نشاطات حماس مثلما تبذل إسرائيل أو مصر.
النجاح الذي تحقق أذهل المسؤولين الأميركيين العارفين بشؤون المنطقة، لأنَّ إسرائيل قد أحكمت عبر سنوات بناء شبكة قوية من المعترضات الإلكترونية وأجهزة الاستشعار والمخبرين البشريين في أنحاء غزة، التي تقارب مساحتها نصف مساحة مدينة نيويورك. في الماضي أنفقت إسرائيل وجيرانها من الجهود والأموال بشكل مكثف من أجل تعقب شبكات حماس وقطع الطريق عليها، وكثيراً ما كانوا يتمكنون من اعتراض شحنات من مكونات الصواريخ.
هذا النجاح السالف أملى سلسلة من الأسئلة الملحة التي تتطلب إجابات عاجلة بشأن الإخفاقات الإسرائيلية التي شهدها يوم السبت.
تُرى كيف قهرت منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية المسماة القبة الحديدية، التي لها من العمر الآن عشرة أعوام، أمام موجة من الصواريخ الفتاكة زهيدة الثمن عند انطلاق الهجوم؟ وكيف أفلحت حماس في بناء هذه الترسانة الضخمة من الصواريخ والمقذوفات دون أن تلتقط المخابرات الإسرائيلية أثراً لهذا الخزين المتراكم؟
هل يكمن السبب في أنَّ إسرائيل كانت تولي التهديدات التي مبعثها حزب الله والضفة الغربية تركيزاً أكثر مما تولي الموارد العسكرية والاستخبارية المتعلقة بغزة؟ ترى لماذا كان كل هذا العدد من الجنود الإسرائيليين في إجازة أو بعيدين عن الحدود الجنوبية، ما سمح لحماس باجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية القريبة من غزة؟
لم يتصد للإجابة عن هذه الأسئلة أحد من المسؤولين الأميركيين أو الإسرائيليين بعد ولكن من الواضح أنَّ الإجابات ربما ستنال من سمعة الأجهزة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية ومن المستقبل السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
يقول “كنيث مكنزي جونيور” وهو جنرال متقاعد في سلاح مشاة البحرية: “لقد تحدت حماس مفهوم الردع الإسرائيلي في الصميم، وهذا لن يستعاد إلا بالعنف المفرط والصادم.. ونحن نشهد بداية ذلك الآن.”
سوف تمضي حكومة نتانياهو بانتقامها، وبالتعاطي مع حقيقة أنَّ حماس تحتجز عشرات الرهائن الإسرائيليين ، بيد أنَّ السؤال بشأن حقيقة الخطأ الذي وقع سيدخل سجل التاريخ مع إخفاقات مماثلة. أشهر تلك الإخفاقات ما وقع قبل 50 عاماً خلال حرب يوم الغفران، بينما يشبه آخرون الأمر بهجوم “تيت” المباغت في حرب فيتنام، أو حتى بهجمات 11 أيلول 2001.
في مناسبات سابقة نجحت منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، المعروفة باسم “القبة الحديدية”، في الحد جزئياً من زخات صواريخ حماس، لكن هذه المنظومة قهرت كما يبدو يوم السبت الماضي، إذ تمكنت حماس من إطلاق مئات الصواريخ في تعاقب سريع فاق قدرة المعترضات. فالقبة الحديدية مصممة لحماية المراكز المأهولة فلا تطلق إذا ما قدّرت أنَّ القذائف الآتية لن توقع أذى. بيد أنَّ المنظومة لها عدد محدود من معترضات “تامير”، كما أنَّ إعادة التعبئة تستغرق وقتاً، ويبدو أنَّ حماس قد درست نقاط الضعف هذه في المنظومة، وفقاً لمسؤول أميركي سابق.
لكنَّ المنظومة المذكورة كانت كفوءة في التعامل مع الرجم الكثيف في الماضي، كما يقول مسؤولون سابقون، فما الذي جرى؟ يوحي الأمر بأنَّ حماس قد استخدمت يوم السبت أسلحة جديدة لأول مرة وهذه كانت أصعب اعتراضاً، حيث استخدمت حماس في الهجوم الأخير نظام صواريخ جديداً يعرف باسم “رجوم”، كما استعانت بطائرات مسيرة صغيرة لإلقاء القنابل على المواقع العسكرية الإسرائيلية، وفقاً لشركة “جينز”، وهي شركة متخصصة بالاستخبارات الدفاعية. في يوم الأحد أطلقت حماس تشكيلة واسعة من الأنظمة الصاروخية والمقذوفات، بعضها جديد وبعضها الآخر من طراز قديم، لكن جميع صواريخها ومقذوفاتها تقريباً كانت من تصميم إيراني تم تهريبها إلى غزة كمكونات مفككة ثم أعيد
تركيبها هناك سرّاً.
تعمل إسرائيل ومصر معاً على رصد محاولات تهريب المكونات، وكثير منها إيراني المنشأ، عبر شبه جزيرة سيناء ثم إدخالها إلى غزة بواسطة أنفاق تحت الأرض، كما يقول مسؤولو مخابرات أميركيون سابقون. في العام 2021 أعلنت إسرائيل تدمير أنفاق تحت الأرض امتدادها 100 كيلومتر تقريباً، كما أقامت حواجز تحت الأرض يقارب عمقها 60 متراً، وعملت مصر أيضاً على إغلاق الأنفاق بين غزة وشبه جزيرة سيناء.
بيد أنَّ ما من حاجز يتصف بالكمال، وبذا بقيت مكونات الصواريخ والمقذوفات تتسرب من خلال المعابر الأصولية، إضافة إلى الطرق البرية والبحرية، كما يقول مسؤولون سابقون.
لرصد إشارات الخطر من أي هجمات محتملة تستعين إسرائيل عادة بشبكات بشرية واسعة تعمل من داخل غزة، إلى جانب اعتراضها الاتصالات الإلكترونية. لذا تنم حقيقة أنَّ المخابرات الإسرائيلية قد فوجئت بالضربات الأخيرة عن أنَّ مقاتلي حماس توقفوا قبل هجمات يوم السبت عن مناقشة خططهم عبر الهواتف النقالة أو وسائل الاتصال الأخرى التي يمكن اعتراضها.
من الوارد أيضاً أن تكون حماس قد لجأت إلى أسلوب المدرسة القديمة، أي التخطيط وجهاً لوجه، تجنباً للانكشاف. بيد أنَّ مئات الأشخاص كانوا على صلة بالأمر، وهذا يؤكد أنَّ جهود حماس لقطع شبكة المخبرين كانت موفقة، كما يقول مسؤولون سابقون.
وضعت غزة تحت الحصار الإسرائيلي بمساعدة مصر منذ سيطرة منظمة حماس عليها في العام 2007. هذا الحصار يحظر دخول البضائع، ومن بينها المعدات الإلكترونية وأجهزة الكومبيوتر التي يمكن استخدامها في صنع الأسلحة، كما يمنع معظم السكان من مغادرة المنطقة. على مدى الأشهر الماضية كانت التوترات تتصاعد بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومعها تصاعدت التحذيرات من خطر حرب شاملة.
السؤال المهم الذي أمضت وكالات المخابرات الأميركية نهاية الأسبوع في محاولة الإجابة عنه هو مدى تورط إيران في تزويد حماس وتشجيعها، وربما حتى في التخطيط للهجوم. لأنَّ من المقبول ظاهراً أن يكون لإيران يد في الأمر، كما يقول المسؤولون الأميركيون، ولكن طبيعة دورها بالضبط ليست واضحة.
أما بالنسبة لإيران فإنَّ تحالفها مع حماس يعد نقطة ضغط رئيسة، لأنَّ طهران تسعى، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين، إلى إخراج عملية السلام المرتقبة بين السعودية وإسرائيل عن مسارها. ونشوب حرب بين إسرائيل وحماس تخلف إصابات كبيرة بين المدنيين من الجانبين ستجعل أي سلام معلن كهذا صعباً
إلى أقصى الحدود.
*عن صحيفة {نيويورك تايمز}