د. عبد الخالق حسن
قبل أيام من هذا اليوم، استفاق العالم على حدث لم يكن يقع في حسبان أحد، بالنظر إلى طريقة حدوثه وتبعاته وتداعياته ونتائجه المستمرة في الحصول.
عشرات من أبناء المقاومة الفلسطينيَّة ينفذون عمليات داخل العمق الإسرائيلي، ويستولون على كل ما تركه الجنود وقوات الشرطة الإسرائيليَّة المذعورة، فضلاً عن تمددهم وتوسيعهم لنطاق غزة بسيطرتهم على ضعفي مساحة أراضي غزة.
كانت التسمية الأساسية للعملية هي (طوفان الأقصى). لكنها في الواقع تصلح أن نطلق عليها منذ الآن (تسونامي الأقصى)، الذي جاء بعد زلزال ما زالت هزاته الارتدادية مستمرة حتى اللحظة. والمؤكد أن الامتداد التأثيري لهذه الهزات لن يقف عند حدود النطاق المحدود في الأراضي الفلسطينيَّة، بل إنه سيتوسع ويمتد إلى أبعد نقطة. الأحداث التي تجرب على الأرض الفلسطينيَّة، هي في الحقيقة ميزان للكشف عن الكرامة والعزة والتعاطف الحقيقي مع ما يتعرض له الفلسطينيون منذ سنوات. كان الموقف العراقي موقفاً مميزاً ومهماً، تردد أكثر من مرة على لسان رئيس الوزراء، والكثير من الفعاليات السياسيَّة والشعبيَّة. حتى أن الكثير من الدول فتحت قنوات معلنة وسرية مع العراق، بسبب موقفه الحازم والواضح مما يجري داخل الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة. لكن هذا الميزان كشف أيضاً اختلال الأخلاقيات الإنسانيَّة النبيلة عند الكثير من دول العالم الغربي التي كانت تتفرج وتدعم إسرائيل طوال سنوات وهي تفتك وتحاصر وتنتهك أبسط حقوق الفلسطينيين. ومع أن المواقف الغربية هذه لم تكن مفاجئة، إلَّا أنها أيضاً كشفت عن عدم صدق الشعارات والإدعاءات التي كانت ترفعها هذه الدول تحت عنوان حقوق الإنسان. ويمكننا أيضاً أن نكتشف ببساطة الكذب الغربي في هذا المجال. فالدول الأوروبية قدمت مليارات الدولارات إلى أوكرانيا تحت عنوان مواجهة الروس، بوصفه حقاً من حقوق الأوكرانيين، لكن هذه الدول نفسها تنكر حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم امام معاول الموت الإسرائيليَّة المستمرة منذ أعوام بعيدة.
لذلك يمكن القول، إن ما بعد (طوفان الأقصى) ليس مثل الذي قبله، وإن المنطقة ستكون على موعد مع طوفانات وتسوناميات متكررة، خصوصا أن اسرائيل اتخذت قراراً باجتياح بري شامل للأراضي الفلسطينيَّة. وهنا طبعاً لن يستطيع أحد التكهن بمآلات المغامرة الإسرائيليَّة المرتقبة.