المواطنة بين الأكثريَّة والأقليَّة

آراء 2023/10/12
...







  نرمين المفتي

ينص الدستور العراقي في مواده 14 و 16 أن العراقيين «متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي» و»تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك».
يعني التساوي امام القانون، بدون أي شك، التساوي في الحقوق، أيضا ومن بينها تكافؤ الفرص، وللفرص معانٍ كثيرة، من بينها التعيينات.
بمعى آخر، أن في الواجبات والحقوق لا توجد أكثريَّة وأقليَّة، خاصة أن العراق بلدٌ متنوعٌ بأعراقه وأديانه ومذاهبه، التنوع الذي صنع حضاراته وثقافته المميزة التي عرفها العالم من خلاله، لكن مجيء نظام تسلطي بنفس قومي متطرف، حاول صبغ العراق والعراقيين بصبغة واحدة وهلق من التنوع مشكلة وبذريعة مخافة التقسيم، حاول صهر الجميع بثقافة واحدة، ولجأ إلى سياسة التعريب والتغيير الديموغرافي والترحيل والنتيجة كانت سقوطه.
وكان لا بد أن يكون فشل تلك السياسة العنصرية درسًا، وبالحقيقة أنه أصبح درسًا ولكن ليس كما كان منتظرا، إنما تحول التنوع المثمر والجميل إلى مصطلح (المكونات) وأصبح لكل مكون قادته، الذين يحاولون كسب أصواتهم للاستمرار، وأصبحت سياسة الأكثريَّة والأقليَّة واضحة.. هنا لا اقصد الأكثريَّة السياسيَّة  أو الأغلبية التي تقررها الانتخابات، مهما كانت نسبة المصوتين فيها، إنما أقصد الأكثريَّة والأقليَّة قياسا إلى نسمة كل عرق أو دين أو مذهب.. قطعا أن مصطلح الأقليَّة ليس معيبا أو مخيفا، لو شعر الجميع أنهم متساوون بالحقوق «دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي».
لكننا بين آونة واخرى، نسمع تصريحاتٍ ونقرأ بيانات، تشير إلى عدم المساواة.. وآخر هذه البيانات، كانت تلك الصادرة عن الجبهة التركمانية العراقيَّة الذي جاء فيه «في الوقت الذي يصب اهتمام الرأي العام الوطني باتجاه التحضيرات اللازمة لاجراء الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها يوم 18 كانون الاول من العام الحالي، يتفاجأ التركمان بقيام وزارتي الداخلية والدفاع بممارسات تخالف الدستور، وقيم المواطنة والشراكة، في خطوة غير موفقة، من خلال منح التركمان صفة (أقليَّة) في العقود الوزارية الأخيرة. إذ تعرب الجبهة التركمانية العراقيَّة عن رفضها القاطع لاعتبار التركمان كأقليَّة، وتعدها مخالفة واضحة لقرار مجلس النواب العراقي، الذي اعتبر التركمان ثالث مكون أساسي في العراق». ويشير هكذا بيان وبعض التصريحات التي صدرت عن شخصيات مسيحية بعد فاجعة الحمدانية إلى عدم إحساس نسبة من العراقيين بعدم الاستقرار. بينما تستمر سياسة (المكونات) التي أسست للمحاصصة المقيتة في عرقلة الجهود، وصولا إلى الشعور الجماعي كشعب متنوع الأعراق والأديان والمذاهب بهويَّة عراقية، ويستمر الانتماء إلى (المكون) قبل الانتماء إلى العراق.. أصدرت مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية العديد من الكتب، حول التنوع وإدارته وحول حقوق الأقليات من الضروري الاطلاع عليها، وقرأت بحثًا أكاديميا فيه توصيات لحلول ممكنة لإنجاح إدارة التنوع، للباحثين ياسين محمد حمد وعبد الجبار عيسى وعنوانه (التعامل مع الأقليات في إطار التنوع، دراسة مقارنة بين العراق والهند)، وموجود على شبكة الانترنت، لمن يريد أن يقرأه، مع اشارة مني إلى أن حزب (بهاراتيا جاناتا) الحاكم في الهند، يبدو متطرفا وتحدث أعمال عنف بين فترة وآخرى، إلا أن الهند لا تزال مثالا لادارة تنوع ناجحة.. وطبعا لا أحاول اقتراح ارسال وفود إلى الهند للإطلاع والتعلم، فقد أوفد نواب من المجلس الوطني المؤقت (الجمعية الوطنية الانتقالية) إلى جنوب أفريقيا في 2005 للاطلاع على تجربتها الناجحة في المصالحة الوطنية، وكان واضحا أنهم عادوا بدون أن يطلعوا جيدا.. في الختام، أكرر أن المواطنة الحقيقية لا تأتي الأكثريَّة أو الأقليَّة، إنما يكرسها الاحساس بالاستقرار والتكافؤ بالفرص، كما نص الدستور..