المثقف العراقي وعملية طوفان الأقصى

آراء 2023/10/16
...






 جبار عودة الخطاط

موقف غريب أقل ما يوصف بالمخجل أن نلاحظ صمت شريحة ليست بالقليلة من مثقفي العراق والعرب حيال معركة العزة، التي تخوضها اليوم شبيبة بعمر الورد ضد الكيان الصهيوني المغتصب لأرضنا والمنتهك لمقدساتنا..
هذا الكيان المستهتر بكل القيم والأعراف السماوية والأرضية، والذي ضرب بعرض الجدار القرارات الأممية، والذي سعى ويسعى لطمس هوية فلسطين العربية والإسلامية والتنكيل بشعبها وتهجيره ورفض بشكل فظ كل الحلول التي قدمها العرب، على الرغم مما أنطوت عليه تلك الحلول من خضوع واستسلام، لكنه آثر ركوب رأسه بكل عنجهية وركن لمنطق القوة والعدوان..غير أن العملية البطولية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينيَّة، ضربت هذه العنجهية في الصميم، بل أذلتها وأذلت الجيش الإسرائيلي، الذي طالما ارتكزت في العقل الجمعي العربي صورته كجيش إسطوري لا يقهر..هذه الصورة جذرتها سياسات الأنظمة العربية وتخاذلها، منذ أن دنس هذا المحتل أرض فلسطين، فتوالت الهزائم والإنكسارات العربية، وفرضت إسرائيل سياستها المستندة لترسانة عدوانها كأمر واقع لا مناص منه مع استثناءات سجلتها المقاومة اللبنانية عام 2000 وعام 2006، حينما منيت إسرائيل بالفشل الذريع في تلك المواجهات الضروس، غير أن لعملية طوفان القدس منحى أكثر زخماً ووقعاً جراء الهزيمة المنكرة، التي منيت بها إسرائيل وما تكبدته من خسائر غير مسبوقة، ومذلة أكثر من 700 قتيل وأكثر من 2500 مصاب معظمهم أصاباتهم وبليغة وأكثر من 750 مفقودا وعشرات الأسرى، الذي اقتادوهم مقاومو فلسطين من مواقعهم، وهم بملابسهم الداخلية في منظر يثلج ويشفي الصدر.. والسؤال أين صوت الكثير من المثقفين مما يجري من مأثرة بطولية ترفع الرأس؟
ولماذا التزم الكثير من المثقفين صمت القبور، وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.. الأغرب من هذا وأنكى أن الكثير من هؤلاء هم ممن يدعون الانتماء للمدرسة  الشيوعيَّة، فهل باتت  الشيوعيَّة  وخلفيتها اليسارية تحابي الصهاينة والاستعمار والاحتلال، بعد أن كانت على مر السنوات تصطف إلى جانب الشعوب المقهورة.. أليس هذا منطق البروليتاريا في مناوئة الاحتلال والمستعمرين؟ فلماذا هذا الموقف المخزي؟ يبدو أن الخلفية الإسلامية لأبطال عملية طوفان الأقصى، هي من جعلت هؤلاء يلتزمون هذه المواقف؟ وإلا بماذا نعلل ذلك.. ولم يكتف البعض منهم بصمته، بل راح يكيل السخرية والإنتقاد، لمن وقف إلى جانب فلسطين وقضيتها الحقة، وعبر عن سروره للنجاح الساحق لهذه العملية البطولية الكبرى، هذه العملية لا يمكن للمثقف المنصف الوطني العربي الإنساني، إلا يقف إلى جانبها بكل ما أوتي من أدوات، فهي بالتأكيد ستكون لها نتائج كبيرة على الواقع الجيوبوليتكي للمنطقة، وهي مهما أفرزت من مخرجات مكسب باهر أثبت بأن إسرائيل ليست سوى نمر من ورق، وهنا دعوني أوجه كلامي للمثقفين العراقيين حصراً، ممن اتخذوا موقف الصمت أو كانت لهم مواقف سلبية من هذه العملية، وأسألهم أليست فلسطين محتلة وإسرائيل تبطش يومياً بأهلنا في فلسطين، وهي يومياً تعربد مستهترة بكل القيم والأعراف؟ فلماذا لم يتحرك لكم جفن إزاء ما سجلته عملية طوفان الأقصى من نصر كبير للعرب وليس لفلسطين وحدها.. وليت شعري ماذا لو كان مثلاً الجواهري حاضراً بين ظهرانينا اليوم، ورأى بأم شعره هذا الانتصار؟ هل تعتقدون بأنه يقف مثلكم متفرجاً أو ناقداً للعملية البطولية؟.. أعتقد بأن الجواهري أجاب على تساؤلي هذا قبل أكثر من سبعين عاماً وبالتحديد عام 1948 في عام النكبة، وهو يحث الجيوش العربية على التصدي لعصابات الصهاينة في قصيدة جاء في مطلعها:

دِلَالاً، فـي مَيَـادِينِ الْجَهَـادِ
وَتيهاً بالجَرَاحِ وبِالضِّمَادِ

ورَشْفاً بالثّغور مِنَ المَوَاضي وَأخذاً بالعناق مِنَ الْجَهَادِ

الجواهري بدأ رحلته الشعرية الزاخرة مكثفاً اهتمامه بقضية فلسطين إذ عبر في قصيدته «فلسطين الدامية» عن عميق حزنه لما حدث من احتلال وانتهاك لمقدساتها
بقوله:

لَوْ اسْتَطَعْتُ نَشَرْتُ الحُزْنَ وَالْألَمَـا
عَلـَي فِلِسْطينَ مسـوّداً لَهَـا عَلَمــا

سَـاَءتْ نَهَـاريَّ يَقْظَانًــا فجَائِعُهَــا
وَسِئْنَ لَيْليَ إذ صَوَّرْنَ لـي حُلُمَـــا

رُمْتُ السّكوتَ حِدَاداً يَوْمَ مَصْرَعِهَا
فَلُـوتُركْتُ وَ شَأني مـا فَتَحْتُ فَمَا

أكُلَّمَـا عَصَفَتْ بـالشّعب عـاصِفَــةً هَوْجَاءُ نَسْتَصْرِخُ الْقِرطَاسَ وَالْقَلَمَـا

ولو أردت الاستطراد في الشواهد الشعرية للجواهري وهو يذرف عصارة أحاسيسه تجاه فلسطين لطال بي المقال، وهذا الأمر ينسحب على الشاعر الكبير مظفر النواب ومحمد سعيد الحبوبي والبياتي وأحمد مطر وغيرهم، غير إني اكتفي بذلك ولا أجد أفضل من قول لينين في هذا المجال :
المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثرهم قدرة على تبريرها.