علي لفتة سعيد
لم تشهد القضية الفلسطينيَّة انتصارًا أو معركةً أو حتى مواقف موحّدة من الشعب العربي كما هي الآن.. وربما لم تحصل حماس أو كتائب القسّام وغيرها من الفصائل المسلحة هذا الاتّفاق على مشروعية المواجهة مع الكيان الصهيوني كما هي حاصلة الآن بدعم عربي كبير، وربما أيضا لم تفرز القضية الفلسطينيَّة قوائم من الخونة كما أفرزته الآن.
فكل المعارك التي دارت خلال العقود الماضية وخاصة بعد حرب تشرين عام 1973 لم تكن إلّا مجرّد مواجهات أطلق عليها انتفاضة وتعدّدت إلى انتفاضات تنتهي دوما بخسارة الجانب الفلسطيني وزيادة القوة الصهيونية، التي أخذت تتمادى أكثر في استخدام القوة وهذه الانتفاضات سبّبت ربما بضعف العلاقة ما بين الشعب العربي وبين القضية الفلسطينيَّة، التي استغلها الحكام العرب لإقامة علاقة مع هذا الكيان بما يطلق عليه التطبيع التي وصلت إلى بعض دول الخليج والمغرب، وما يراد للدول الأخرى أن تستمر بالتطبيع لأنه الحل الوحيد برأي هذه الدول لإحلال السلام في المنطقة، بعد أن كان اليأس قد دبّ حتى داخل النفوس العربية من حلّ القضية الفلسطينيَّة، وفق ما يراد لها أن تكون، بعد أن صار القول إن القضية الفلسطينيَّة فوّتت على نفسها مع العرب من خلال اللاءات العربية، التي وقعت في مؤتمر الخرطوم عام (1967) لتتبعها مؤتمرات قلنا عنها إنها مجرّد مخدّر للمواقف العربية، وما تبيّن بعدها من ضعف السياسة الفلسطينيَّة، التي كانت أقرب إلى الدوران حول العالم للحصول على الدعم المادّي أكثر منه للحصول على حلّ للدولة الفلسطينيَّة، وكأن المهمّة كيف تبقى السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينيَّة في الحكم، وهو ما أدّى إلى ظهور الحركات والكتائب الفلسطينيَّة إلى الساحة، لمواجهة ما يمكن أن يقال عنه فتور إن لم يكن الموت السريري للقضية الفلسطينيَّة برمّتها، وكان أثر هذه الصورة الكبرى للواقع الفلسطينيَّة أنها زادت من مواقف العالم اتّجاه الكيان الصهيونية وعدم ثقة العالم بالقضية الفلسطينيَّة وتباعد وتنافر وانعكاس المواقف المؤيدة داخل الوطن العربي وأقصد الشعب العربي، فضلا عن زرع روح اليأس من حلّ القضية التي وصلت من عدم الحوار إلى حل الدولتين، الذي أصبح الشعار والهدف والمسعى التي تريد الدول العربية الحصول عليه من الدول الكبرى، خاصة موقف المملكة العربية السعودية التي تشترط التطبيع بالحصول على هذه النقطة التي تتمثّل بحلّ الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية العاصمة الفلسطينيَّة، لكن الكيان الصهيوني استفاد من كل هذه السلبيات، سواء في الداخل الفلسطيني أو المواقف الحكام العرب ليكون أكثر جرأة في زيادة أعداد المستوطنات السكنية والتمادي في عزل الفلسطينيين وزرع الفتنة بينهم، وابتعاد العالم عن القضية بالأساس، بل وصلت أن الكيان الصهيوني استغل الانتفاضات التي تقوم، خاصة حركة حماس لتحصل على التأييد العالمي، وحتى بعض العرب، وأصبحت مقولة إن الفلسطينيين ينتفضون لأيام، والعرب تستنزف أموالها لإعادة البناء وزيادة الفساد لدى السلطة الفلسطينيَّة.
إن هذه المواجهة التي أطلقها عليها (طوفان الأقصى) لم تكن مثل سابقاتها، ويبدو أن الاستهتار الصهيوني في افتحام الأقصى وتدنيسه المقصود، والذي يسبّب الكثير من الألم للمسلمين، كانت واحدة من مهام التخطيط لهذه العملية الكبرى، التي غيّرت وجه العالم أجمع اتجاه الفضية لفلسطينية برمّتها.. فهي جاءت في وقت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والصراع الصيني مع دولها المستقلة، والصراع الصيني الأمريكي الاقتصادي، والحرب الأهلية السودانية، وانقلابات بعض الدول الأفريقية، وضعف الإدارة الأمريكية وتخبّطها في العراق وسوريا، وتعسّر المفاوضات الأمريكية الإيرانية، سواء على الداخل الإيراني أو علاقتها بالقضية السورية والفصائل المسلّحة في العراق، وغيرها من مسائل العالم الراهنة، فقد كانت هذه المعركة التي لا تكون قد خرجت لتوّها، بل لتخطيط مسبق ومساعدة دول أخرى لحماس وغيرها من الفصائل الفلسطينيَّة.
إن هذه المواجهة أو المعركة قد لا تكون الحاسمة، لكنها أعطت للعالم وجهًا آخر لنضال الفلسطينيين، مثلما أعادت تبيان مواقف العالم وخسّته اتجاه الشعوب العربيةـ التي عليها أيّ الشعوب أن تكون لها مواقف قوية في حل الدولتين والعاصمة القدس، من خلال التهديد بما يمكن أن يكون عليه حال الصهاينة في الداخل، إذا ما كان للحكومية الصهيونية موقف وإرادة في اتخاذ مثل هذا القرار، وأن تبرهن هذه المواقف إن موقف وزير الدفاع الصهيوني المتصلّب لا يجلب لكيانهم سوى الخسران للمدنيين الذين هم بكل تأكيد وفق ما نؤمن به أنهم جزء من الاحتلال.
إن هذه المعركة التي تسبّبت وتسبّب بمقتل المئات وجرح الآلاف وأسر المئات من الصهاينة، قد أوضحت ما لا يقبل الشك إن (إسرائيل) هشّة، وعليه لابد أن يتم ترديد مقولة إن معركة (طوفان الأقصى بينّت أن إسرائيل إذا ما أرادت الاستقرار عليها أن تجعل فلسطين مستقرة)، وهي معادلة لا بد أن تكون في المسعى الجديد.