قَبْلَ أنْ تتلوَّنَ الأصابع بالحبر البنفسجي

آراء 2023/10/17
...

  رضا المحمداوي 

 لا بُد للمراقب والمتابع للمشهد السياسي العراقي الداخلي أن يتوقف متأملا، ويعيد إلى الذاكرة انتفاضة تشرين التي اندلعتْ في عام 2019، تزامناً مع مرور الذكرى الرابعة لانطلاق تلك التظاهرات الاحتجاجية في العاصمة بغداد، وبقية محافظات الوسط والجنوب، وما تبعها من أحداث وتفاعلات سياسيَّة واجتماعية، لا سيِّما الطريقة الدراماتيكيَّة الغامضة، التي تمَّ بها انسحاب المتظاهرين والمعتصمين من خيام الانتفاضة في ساحة التحرير ومراكز المحافظات، ومن ثم الاشتراك في الانتخابات المبكرة التي أُجريتْ في عام 2021 أيام الحكومة المؤقتة لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي

 التي جاءتْ بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي بضغط من الجماهير المنتفضة وتأييد المرجعية الدينية في النجف الاشرف لها.لكنَّ نتائج الانتخابات المُبكّرة لمْ تحققْ فوزاً كبيراً أو حضوراً سياسياً واضحاً لممثلي انتفاضة تشرين أو وجوه وشخصيات (ولا أقول قادة) الحركات والأحزاب السياسية الناشئة المنبثقة من رحم ذلك الحراك الاحتجاجي مثل تحالف (جبهة تشرين) و(حركة نازل آخذ حقي) وغيرها العديد من العناوين التشرينيَّة، والتي أراد أصحابها أنْ يكونوا الرد السياسي النوعي، إزاء الأسماء التقليدية من أحزاب الحرس القديم الماسكة بدفة الحكم منذ عام 2003. ولمْ تفزْ سوى بعض الأسماء والشخصيات، التي وَصفتْ نفسها بأنها مستقلة، فضلاً عن حركة (امتداد) برئاسة (علاء الركابي) وممثليها من مدينة الناصرية (محافظة ذي قار)، وكانت هذه الحركة بعدد مقاعدها المحدود في البرلمان، قد أعلنتْ بأنها تُمثّل نواة للمعارضة البرلمانية. 

وشأنها شأن العديد من القضايا والظواهر والموضوعات، التي تشهدها البلاد يبدو المجتمع العراقي إزاء كل أنواع وأشكال الانتخابات، سواء أكانت الانتخابات المُبكّرة، التي أجريتْ قبل عامين أو انتخابات مجالس المحافظات، التي من المقرر إجراؤها في 18/ 12 / 2023.. يبدو المجتمع منقسماً على نفسه إلى عدة أقسام، فالطبقة السياسية بقادتها وزعمائها من العجائز والشيوخ، الذين حكموا البلاد منذ أكثر من عشرين عاماً، أثبتتْ فشلها وارتكاسها التدريجي في مستنقع الفساد والعجز، وعدم القدرة على إدارة ملفات البلاد، وما نتجَ عن ذلك الفشل من أزمات متتالية، لكن ما زال جمهور هذه الطبقة الحاكمة ومريدوها وأتباعها والمستفيدون والمنتفعون من وجودها، يمثّلون الثقل الانتخابي لأولئك القادة والزعماء وبما يدفع بهم، كي يكونوا عاملاً مؤثراً في إبقاء تلك القلة الحاكمة في دفة الحكم والسلطة والنفوذ والتحكم في إدارة المال السياسي، في حين أنَّ المزاج الشعبي العام وحديث الشارع اليومي يقف موقف المعارضة الصامتة والمشلولة ضد تلك الطبقة السياسية ويحول دون تأسيس أو تكوين حركة إصلاحية سياسية ذات نتائج فعلية على أرض الواقع، أو تأسيس لحراك سياسي فاعل وحاضر في المشهد السياسي وأزماته المزمنة.

وبين هذين القسمين هناك وجهات نظر متفرقة وقناعات متأرجحة خلاصتها أنَّ هذا الوضع السياسي المضطرب سيبقى إلى أجل غير مُسمّى، محكوماً بمثل هذه المخرجات والنتائج طالما بقيتْ المقدمات والأوليات ثابتة في بنية المجتمع العراقي دون تغيير.

وبين هذه وتلك تذهب بعض الاجتهادات إلى أنَّ التغيير المنشود والإصلاح السياسي المطلوب لن يحدث، ما لمْ يدخل العامل الخارجي، متمثلاً بالقوة العسكرية الخارجية (القوة الأميركية على وجه التحديد) للقيام بإعادة رسم الخارطة السياسية، وتغيير الأحجار على رقعة الشطرنج العراقية الموضوعة على الطاولة المهتزة، وذلك نتيجةً لعدم وجود القناعة لدى الجمهور العام بأن النظام السياسي القائم قادر على التعبير عن الروح الوطنية العراقية الخالصة وهويتها المجتمعية الحقيقية.

ووسط هذه التقاطعات الحادة تقف البنية المجتمعية المنقسمة على ذاتها وبسطحها السياسي المضطرب حائلاً دون الشروع بعملية (التغيير) و(الإصلاح) السياسي المطلوب أو التعبير عن طموح الشعب بالتخلص من تبعات ونتائج تجربة ديمقراطية هجينة وغير ناضجة ما زالت بعد مرور 20 عاماً لا تنجب إلّا المزيد من النتائج والظواهر الفاسدة والفاشلة.