تبدو وكأنها شيء ما مشابه لما ورد في قصة الكاتب الاسباني “كارلوس ريوز ثافون” المسماة “ظل الريح” (تدور أحداث الرواية في برشلونة في القرن العشرين وكيف أن مقبرة الكتب تحوي كتابا عجيبا يتم إخفاؤه عن الجميع بحجة أنه مبعث للشيطان – ويكيبيديا) وسلسلته الأدبية “مقبرة الكتب المنسية”، فهي عبارة عن حجم هائل يحوي آلاف الملخّصات لكتب قديمة تعود لخمسمئة عام، والتي لم يبق العديد منها. غير أن القطع الجيّدة الحال تم العثور عليها في كوبنهاغن، حيث ظلّت محفوظة دون أن يمسها أحد لأكثر من 350 عاما.
وتحتوي مخطوطة Libro de los Epitomes (بالاسبانية كتاب الخلاصات)، وهي بسمك يفوق الثلاثين سنتمترا، تحتوي على أكثر من ألفي صفحة وملخّصات من مكتبة “هيرناندو كولون”، الإبن غير الشرعي لكريستوفر كولومبس، الذي قام بتوليفها أثناء حياته العملية لانشاء المكتبة الأضخم التي عرفها العالم في بدايات القرن السادس عشر. وبوصولها الى نحو 15 ألف مجلّد، تم تجميع المكتبة خلال رحلات كولون المطوّلة. حاليا، لم يبق سوى ربع الكتب من المجموعة الكاملة، وتم وضعها داخل كاتدرائية بمدينة أشبيلية منذ سنة 1552.
كتب ضائعة
ويمثل اكتشاف مجموعة آرناماغانيان في كوبنهاغن أمرا “استثنائيا”، ونافذة على “العالم المفقود لكتب القرن السادس عشر”، كما يقول “ادوارد ويلسون لي”، الأكاديمي من جامعة كمبردج ومؤلف السيرة الذاتية الحديثة لكولون المسماة “قائمة كتب السفينة المحطمة”.
يقول ويلسون لي: “انه اكتشاف غاية في الأهمية، ليس فقط لأنه يحتوي على كم هائل من المعلومات حول نوعية المواد التي كان يقرؤها الناس قبل 500 عام، بل أيضا لأنها تحتوي على مختصرات لكتب لم تعد موجودة حاليا، حيث ضاعت بأشكال أخرى خارج هذه الملخّصات. تكمن الفكرة في أن هذا الموضوع كان يمثل شيئا مركزيا للغاية لهذا المشروع الاستثنائي في بداية القرن السادس عشر، والذي يجعل المرء دائما يفكر بالإحساس الرهيب للفقدان، وماذا كان ليحصل في حال تم الاحتفاظ بها، لتظهر فجأة بعد ذلك في كوبنهاغن محفوظة بشكل كامل، بعد 350 سنة على آخر ذكر لها في اسبانيا على أقل تقدير...”
وجدت المخطوطة في مجموعة “آرني ماغوسون”، الباحث والآثاري الآيسلندي المولود سنة 1663، والذي تبرّع بكتبه الى جامعة كوبنهاغن مع وفاته سنة 1730. وكانت غالبية القطع البالغ عددها ما يقارب الثلاثة آلاف مكتوبة باللغات الآيسلندية أو الاسكندنافية، مع ما يقارب من 20 مخطوطة فقط مكتوبة باللغة الإسبانية، ولربما هذا هو السبب وراء عدم ملاحظة مخطوطة كتاب الخلاصات لمئات السنين. وكان “غاي لازور” من جامعة وندسور الكندية هو أول من تعرّف على علاقة المخطوطة بكولون. بعد ذلك، اتصل معهد آرناماغانيان ب”مارك دونالد” من متحف ميتروبوليتان للفنون في نيويورك، والذي أوصلها الى ويلسون لي ومساعده في التأليف “خوزيه ماريا فيرنانديز”، من جامعة غرناطة الاسبانية، لأجل التثّبت
منها.
مفاجأة صادمة
يقول ويلسون لي: “لقد أرسلوا لي الصور، وكنت حينها جالسا على الساحل، وقلت لهم انكم تمزحون معي بكل تأكيد، فهي القطعة الرئيسية المفقودة من المكتبة. انها قصة مذهلة، وبدلا من كونها إبرة وسط كومة قش، فقد كانت إبرة من حزمة إبر أخرى.”
وبعد تجميع مجموعته، وظف كولون فريقا من الكتّاب لقراءة كل كتاب في المكتبة واستخلاص كل واحد الى مختصر بسيط ضمن مخطوطة كتاب الخلاصات، متراوحا من بضعة سطور تشكل نصوص قصيرة جدا، الى نحو ثلاثين صفحة للأعمال الكاملة لأفلاطون، والتي وصفها ويلسون لي ب”معجزة
الانضغاط”.
ولأن كولون جمع كل شيء تمكّنت يديه من الوصول اليه، فالفهرس هو عبارة عن سجل حقيقي لما كان يقرؤه الناس قبل خمسمئة عام، ما عدا الكتب الكلاسيكية فقط. يقول ويلسون لي: “يكمن الجزء المهم لمكتبة كولون ليس فقط بأعمال أفلاطون وكورتيز، فهو يلّخص كل شيء من التقاويم الى كتيّبات الأخبار. هذا الحال يمنحنا حقا نافذة تجاه اجمالية الصورة الأولية، التي ضاع الكثير منها، وكيف قرأها الناس، وهو عالم مفقود بشكل كبير بالنسبة
لنا.”
ويعمل ويلسون لي وبيريز فيرنانديز حاليا على إعداد تقرير شامل حول المكتبة، والذي سينشر سنة 2020، كما يعملون على رقمنة المخطوطة، بالتعاون مع معهد آرناماغيان. يقول ويلسون لي: “إنه أمر مفزع عندما أدرك كباحث وكاتب سيرة بوجود مادة دسمة في مكان ما، فعليّ الخروج وتفحص الأماكن غير
الواضحة.”
صحيفة الغارديان البريطانية