خالد جمعة
فليغيرِ النيل مجراه ثلاثة أيام، ويعد طفلاً في اليوم الرابع، أنا رب الجنود فاسمعوا ما تتلوه الجبال ورمال الصحارى، ستتبعون النبي في رحلته الأخيرة دون أسئلة، تساءلوا ولا تسألوا، وافعلوا ما يحسُن في عينيّ، لأهب لكم مملكةً من شجرٍ وسلام، أعطوا الطريق سيرتها الخالدة، ولا تظلموا الغيم كي لا تعطش حكاياتكم إلى أبطالها، وها أنا أنبئكم بما سيصير كي لا تعودوا عبيداً كما نشأتم أول مرة، أعيدوا سيرة أنبيائي إلى عطورها الراسخة، وتذكروني دائماً حين مزّقتُ أعداءكم، دون أن ترفعوا سيفاً أو تشحذوا نصلاً، أنا رب الجنود وكلماتي هي الحق، وكلماتي هي فعلي قبل أن أنطق بها فلا تنقضوا عهداً كي لا تضيع أخباركم في التيه.
وهبتكم ليعقوب وأسباطه، أحراراً كالطيور، ونشرت الخوف منكم في قلوب أعدائكم، فطمعتم فاستعبدوكم، لكنهم ظلوا خائفين، يقتلون كلَّ رضيعٍ كي لا يصير شجرةً يصعب على الريح اقتلاعها، وفيما هم كذلك نسوا قدرة رب الجنود، فأودعنا النبي بيوتهم، كان أقرب من أثوابهم ولم يحسوا، وكنتم في خوفٍ لا تبصرون أصابعكم من ظلمة الرعب، وكان هو آمنا يرضع من أمه، ويأكل من يد فرعون، سأهبكم ما يفوق خيالاتكم الصغيرة، وكلما سألتم عمّا لا يجوز السؤال عنه حمي غضبي، ولا حاجة لي بالكلام عما يعنيه غضب الرّب، ستخطئون وسأغفر، لكن هذا لن يكون أبدياً كقدرتي، وستدخلون ظلاماً لن تكونوا بعده في نوري أبداً.
بعصاه التي فقدت ماءها أريتكم قدرتي، وقلتُ أنا الربُّ أخرجكم من نير المصريين بذراعي الممدودة وأحكامي العظيمة، لأتخذكم شعباً لي، وتتخذوني إلهاً لكم، وأريتكم عجائبي حين صار الماء دماً، وسرحت الضفادع في طين مصر، وحام في هوائهم البعوض والذباب، وأرسلت الوباء على خيل فرعون وجماله وحميره وبقره وغنمه، أما مواشيكم فكانت ترتع في عشب الرب لا يصيبها شيء، ولم يردّ فرعون عن غيه كذلك البَرَد والجراد والريح والظلام، كل هذا من فعلي أنا رب الجنود، ولم تحركوا إصبعاً لتدفعوا عن أنفسكم شيئاً، نجوتم لأني أردت لكم النجاة.
خطيئتكم الأولى كانت أن طلب كل رجل من صاحبه المصري، وكل امرأة من صاحبتها المصرية أمتعة من فضة أو ذهب، وهربتم بها في طريق الرب، لذا غضبتُ، لكن غضبي لم يظهر في طريق نجاتكم، لأني الرب الغفور، لا شيء يشبه حلمي، لكن لا شيء كذلك يشبه غضبي، وقبل أن تخرجوا سيكون كل بكر في مصر من بكر فرعون إلى بكر الجارية خلف الرحى قد مات، وسيكون الصراخ في أرض مصر من بحرها إلى صحرائها عظيماً.
سأشقُّ لكم البحر بيد رسولي، لتخرجوا من عبودية الليل إلى ضوء النهار، لكنكم ستكفرون، أعرف ما سيكون لأني أنا الرب الذي يعرف ما سيكون، ستنكرون ما ترونه بأعينكم، سآمركم ألّا تأكلوا خميراً في عيد الخروج، وستأكلون خميراً، سآمركم ألّا تعبدوا سواي وستعبدون كثيرين غيري، سآمركم ألّا تعملوا في السبت وستعملون، وستنكرون عمود السحاب حتى بعد أن يقود أقدامكم، سألقنكم الوصايا وستلتفون عليها كما يلتف ثعلب على فريسته من خلفها فلا تراه، أنا الذي أعميها عنه كي أهيئ له رزقه، ولو جعلتها تبصره لماتت الحياة على الأرض، كما ستموتون يوماً دون أن يدرك سيرتكم أحد.
ستجادلون موسى، وستقولون أخذتنا لنموت في البرية، وقد كان خير لنا أن نخدم أهل مصر من أن نموت هنا، سيقول لكم إن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون، وسأقاتل عنكم وأغرق مستعبديكم، لكنكم ستتذمرون، ستقولون ليتنا متنا بأرض مصر، كي لا نموت هنا عطشا وجوعا، وسأمطر لكم خبزاً وأخرج لكم ماءً من الصخر، ستؤمنون قليلاً ثم ستكفرون، وسيصرخ موسى مستنجدا بي: ماذا أفعل بشعب يجرب ربه؟ بعد قليل سيرجمونني...
سيصعد موسى إلى رأس جبل سيناء ليلقاني، سيحمل وصاياي، سينقل إليكم مشيئتي ألّا تنطقوا باسمي باطلاً لأني لا أبرّئ من نطق باسمي باطلاً، وأن تجعلوا السبت يوماً للرب، وأن تكرموا آباءكم وأمهاتكم، وألّا تقتلوا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تشهدوا زوراً، ولا تشتهوا نساء أقربائكم لا عبيدهم ولا حميرهم ولا ثيرانهم، ولا شيء مما يملكون، ستسمعون، ستفهمون، لكنكم ستفعلون كل ما سأنهاكم عنه دون أن تؤلمكم قلوبكم.
ستسمعون وصيتي أن من ضرب أو شتم أباه أو أمه يقتل قتلا، وستضربونهم وستشتمونهم، سأقول نفساً بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدًا بيد، ورجلا برجل، وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضَّا برضا، لكن هذا سيسيل كحفنة ماء في صحراء ظامئة، وكأني أنا الرب لم أقله.
سيبطئ موسى في نزوله، وستجتمعون لتصنعوا إلها يقود خطاكم، ستقولون: هذا الرجل الذي أصعدنا من مصر لا نعلم ما أصابه، وستصنعون عجلاً يشبه إله المصريين “أبيس” من أقراطكم وأساوركم، التي كانت للمصريين قبل أن تخرجوا، سأقول لموسى: اتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم وأخلق لك شعباً عظيماً، سيتضرع أمامي كي لا يقول المصريون إني أخرجتكم لأقتلكم في الجبال، وسأستجيب لموسى كي تعرفوا رحمتي، ولن تعرفوا مع ذلك، لأن موسى سيكسر ألواحي، سيحمى غضبه هو عليكم، بدلا من غضبي، وحسنا سيفعل إذ يمكنكم احتمال غضبه، أما غضبي...!!!
سآخذ موسى إلى سماواتي، وسأبعث لكم عشرين ألف رسول وستقتلونهم، وتموت رسائلي معهم، لن يكون قمحكم قمحاً، ولا قطعانكم قطعاناً، ولا صلاتكم صلاة، أنا الرب الإله، الرحيم الرؤوف بطيء الغضب كثير الإحسان، غافر الإثم والمعصية، ولا أبرّئ آثماً من إثمه إذا عاد إليه، لكنكم ستخسرون تابوتكم، وبشاراتكم، ستستنفدون خزائن رحمتي التي رصدتُها لكم، سيصيبكم التيه، ستأكلون لحمكم حياً، ستكذبون على لساني أمام عيني، ولن يعرف آخركم ما فعل أولكم.
شاعر فلسطيني يعيش في رام الله