هل ستمحو إسرائيل حماس؟

آراء 2023/10/18
...

حيدر صبي

 تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يواف گالانت وايضا قبله تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، وما سيترتب على جملة (محو حماس من على وجه الأرض)، يفضي إلى أن إسرائيل قد عقدت الغزم، فعلا على محو حماس من الخارطة السياسية داخل جغرافية غزة، وربما خارجها أيضا، وكي يتحقق ذلك لا بد وأن تقدم إسرائيل على خيارات صعبة، ربما واحدة منها إخلاء شعب القطاع بالكامل، ليتسنى لهم تصفية قادة وأعضاء حماس من أعلى هرم حتى القاعدة، وبمعنى آخر أن قادة حماس في الخارج من الآن فصاعدا سيعاملون كأموات ينتظر الواحد منهم حتف الآخر، وكما جاء هذا عن لسان عدد من قادة إسرائيل، ويبدو أنه قد وضع كأولوية وإن تفاوتت المدد الزمنية لتنفيذه هذا الخيار فاللعبة بيد إسرائيل فحسب.
 هل بالامكان محو حماس؟، نقول نعم بالإمكان ذلك لكن كيف وبأي السيناريوهات؟ واحدة من أقرب السيناريوهات للواقع هو قيام إسرائيل بتشديد الحصار الذي أطبقته على غزة، لتمنع وصول امدادات الغذاء والدواء وامدادات الطاقة غير هذا عدم وصول امدادات المواد الطبية للمستشفيات، ومع ازدياد الضربات الحالية وباستخدام قنابل عنقودية (فسفورية محرّمة) وقنابل ذكية وصواريخ موجهة فضائية أو برية ومدفعية وما إلى آخره، ولمدة تتراوح ما بين الـ 3 إلى 6 أسابيع كحد أقصى، لتبدأ بعدها في اجتياح القطاع براً، والعمل على تدمير جميع البنى التحتية، وتدمير الأحياء والشوارع وأغلب الدوائر والمؤسسات، سواء كانت مدنية أو عسكرية، على ان تكون مدة الاجتياح لوقت ما تحدده القيادتان العسكريَّة والسياسيَّة الإسرائيليَّة، ويكون من نتائج عملياتها الحربية اقتطاع مساحة من الأرض تكون في ما بعد كمنطقة عازلة، تبدأ من عمق القطاع لغاية غلاف التماس بين حماس ومناطق المستوطنات.
 ربما الخيار هذا بإمكان إسرائيل تحقيقه، لكنها لن تستطيع محو حماس بالكامل دون أن تقضي إسرائيل على جميع قيادات حماس وأعضاء المنظمة، مع قتل المزيد من المجاهدين المنضوين تحت رايتها، ثم وإن فعلت ذلك، فغزة ستلد قادةً جددًا، وبفترة لا تتعدى السنة خصوصاً وهناك من سيقدم الدعم والمشورة من قبل إيران وحزب الله، وهناك الأفراد المؤهلون للقيادة من شباب غزة، لكن هل ستقف إسرائيل عند هذا الحد وتسمح بظهور جيل حمساوي جديد؟ بطبيعة الحال ليس جميع ما ترغب تحقيقه إسرائيل من هكذا حرب مدمرة، اذ من الصعوبة استسلامها لهكذا نتيجة بعد أن خسرت مئات الأرواح وخسارة اكبر في الاقتصاد وقبل خسارة ثقة شعبها بحكومتها، هذا غير فقدانها لمكانتها كدولة قوية ذات مؤسسات أمنية واستخباراتية، تعدُّ الأقوى في العالم، عليه فهي ستنفذ مخططها الآخر لتحقيق هدف غير معلن، ربما سيفاجئ العالم بأسره، ذلك بتمكين منظمة فتح بقيادة محمود عباس لبسط سيطرتها على كامل القطاع وادارته، وهذا لا يتحقق إلا من خلال التنسيق مع منظمة فتح ودول مثل أمريكا وبريطانيا وبإخبار كل من السعودية وقطر وتركيا والامارات ومصر والاردن.
أما لماذا وقع خيار إسرائيل على فتح لتحل محل حماس، مع أنها تستطيع البقاء في القطاع وضمه إلى أراضي الدولة، فمرد ذلك أنها لا تريد أن تخسر تأييد المجتمع الدولي، هذا من جانب ومن جانب آخر، هي ربما ستتعرض لمقاومة شرسة وإغارات نوعية من قبل عناصر حماس، وان تسمّت في ما بعد بمسمى آخر تكبدها الخسائر الفادحة، وهذا ما لاترغب به إسرائيل قطعاً، وايضا علينا ألّا ننسى طبيعة ما يربط من علاقة بين الأصدقاء الأعداء (حماس وفتح)، وما فعلته حماس بالفتحاويين ابان قيام المبادرة العربية لقيام دولة فلسطين، وكيف رمتهم من أسطح المنازل، ومثلت بهم وقبل ان تستولي على تمام القطاع.
ثم ان لدى إسرائيل علاقات جيدة مع قادة فتح مبنية على مستويات لابأس بها من الثقة المتبادلة، وأن القيادة الفلسطينية الممثلة بالرئيس محمود عباس هي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين في المحافل الدولية، بمعنى سيطرة منظمة فتح على القطاع هو قيام حكومة واحدة تفرض سيطرتها على كامل التراب الفلسطيني، ما سيفضي في النهاية لتصفير المشكلات، وقيام دولة فلسطين وبمباركة اغلب دول العالم في حينها.
استطاعت إسرائيل من اظهار حماس كأنها الوحش الكاسر، الذي لا يرعوي من أن يفتك بالأطفال، فكيف وإن ظفر بمجند أو مواطن إسرائيلي أعزل، أو بمعنى آخر أن إسرائيل نجحت في التأثير على قناعات المجتمع الدولي وتأجيج مشاعر الغضب اتجاه عناصر حماس بشكل خاص والشعب الفلسطيني على وجه العموم، وهنا فإسرائيل أقامت الحجة بعد مثول السبب والمسبب، ومن ثم العذر للقيام بمحو حماس من الوجود واحلال منظمة فتح محلها لكن بعد ان ترتكب المذابح المروعة بحق شعب الفلسطيني.
 بقي هناك سيناريو آخر، وهو ماثل بحضوره القوي ويكمن في الابقاء على حماس وبقاء القطاع وان طال الدمار فيه ما سيزيد عن ال 70%، نعم وستنتهي العمليات العسكرية الإسرائيلية، وبواسطة مصرية وتركية وربما حتى سعودية بنهاية المطاف ليتوجه بعدها الطرفان إلى فتح ملف تبادل الأسرى، وهذا كله لن يتحقق وحال دخول حزب الله أو الفصائل الموالية لإيران في سورية الحرب مع إسرائيل، هنا وبخضم ظاهرة توسيع الجبهات، فإن منطقة الشرق الاوسط، ستتغير فيها قواعد اللعبة، ولن يكون بالامكان التنبؤ بما ستؤول إليه المنطقة من عواقب وخيمة.